الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله و على آله وصحبه ومن والاه ، وبعد : فهذا بحث نفيس حول الحقوق المالية لآل البيت ، و هو مستلٌ من رسالة علمية بعنوان ( آيات آل البيت في القرآن الكريم الدلالات والهدايات ) تقدم بها الشيخ منصور العيدي في جامعة الملك سعود بالرياض لنيل درجة الماجستير ، ولما فيه من فائدة لعموم آل البيت آثر موقع آل البيت نشر هذا المبحث...جزى الله كاتبها خير الجزاء .. و الله الموفق و الهادي إلى سبيل الرشاد .
--------------------------------------------------------------------------------
المطلب الأول : آراء المفسرين في المراد بذوي القربى واستقراء الكلمة في القرآن الكريم.
عند الحديث عن الحقوق المالية لآل البيت تبرز آيتان من القرآن الكريم :
الأولى : قوله تعالى : (( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) ([1]).
الثانية : قوله تعالى : (( مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) ([2]).
وهاتان الآيتان تثبتان حقاً لآل البيت في الغنائم .
ولا إشكال عند المفسرين في أن القربى في الآيتين قربى النبي - صلى الله عليه وسلم-([3]).
كما انه لا إشكال عندهم في أن القربى في الآيتين بمعنى واحد وإنما حصل الخلاف في تحديد المراد بالقرابة على أقوال :
القول الأول : أنهم جميع قريش واختاره ابن عطية وأبو حيان([4])
و استدل هؤلاء بما روي عن ابن عباس في تفسير القرابة في سورة الشورى وقد تقدم([5]) .
واستدلوا أيضا بأنه لما نزل قوله تعالى : (( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ )) ([6]) صعد النبي - صلى الله عليه وسلم- على جبل الصفا فجعل يهتف ببطون قريش([7]) و فعله يفسر الاقربين في الآية.
القول الثاني : أنهم بنو هاشم وبنو المطلب قال القاسمي : وهو قول الجمهور([8]) واختيار الطبري([9]) والشنقيطي([10]) وذكره الرازي إجماعاً([11]) . و لكن فيه نظر .
واستدل هؤلاء بإعطاء النبي - صلى الله عليه وسلم- لبني المطلب وتعليله ذلك بقوله : ( إنما بنو هاشم وبنو المطلب شيء واحد)([12])
و في رواية : ( إنهم لم يفارقونا في جاهلية ولا إسلام)([13]) . فبين - صلى الله عليه وسلم- بفعله المراد بذوي القربى فلا يتعدى ولا يقصر عنه .
القول الثالث : أنهم بنو هاشم فقط وهو قول جماعة من التابعين([14]) واختيار الطاهر بن عاشور([15]).
ويقرب من هذا القول قول من قال : إنهم آل علي و آل عقيل و آل العباس و آل الحارث بن عبد المطلب([16]) و آل جعفر بن عبد المطلب.
ويفرق عن قول من قال : إنهم بنو هاشم في آل أبى لهب.
ودليل هؤلاء عموم الأدلة في تحديد المراد بآل البيت والتي ذكرت في التمهيد([17]) و قالوا : إن القرابة قرابة الآباء في النسب وهي تعد عند العرب مشتركة إلى الحد الذي تنشق منه الفصائل وهو الحد الأدنى([18]) .
القول الرابع : آل قصي الجد الرابع للنبي - صلى الله عليه وسلم- وهو قول المالكية . ولم أقف على دليله([19]) .
القول الخامس : أنهم قربى الإمام بعد النبي - صلى الله عليه وسلم- وهو قول قتادة([20]).
واستدلوا بحديث : ( إذا أطعم الله نبيه - صلى الله عليه وسلم- طعمة ثم قبضه فهو للذي يقوم بعده)([21]).
والقربى اسم مصدر كالرجعى والبشرى وهي قرابة النسب و ( أولو) في الآيتين عوض عن المضاف إليه ([22]).
وباستقراء كلمة القربى في القرآن الكريم الواردة بمشتقاتها ثلاثاً وعشرين مرة([23]) نجد أنها أطلقت في جل مواضعها على قرابة الرجل وإن بعدوا نسباً , و إن كانوا من ذوي الأرحام.
و يشهد للأخير قوله تعالى: (( ولَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ )) ([24]).
فقد ذكر أهل التفسير أنها نزلت لما أقسم أبو بكرالصديق - رضي الله عنه - على منع مسطح بن أثاثة من نفقته التي ينفق عليه([25]) ومسطح من ذوي رحم أبى بكر الصديق أمه بنت خالة أبى بكر وأبو بكر تيمي ومسطح مطلبي([26]).
وقد وردت كذلك في حق النبي - صلى الله عليه وسلم- في آية المودة وآية النذارة كما تقدم .
ووردت بخصوص قرابة النبي - صلى الله عليه وسلم- أربع مرات : اثنان منها في القرابة البعيدة كما تقدم , واثنان منها مختلف فيها وهما آية الغنائم والفيئ .
فمن حمل هاتين الآيتين على القرابة البعيدة وهم قريش استدل بأن الأصل في الكلمة القرابة مطلقاً في القرآن الكريم لا سيما ويشهد له آيتي المودة والإنذار ومن خصها في هذين الموضعين بالقرابة المحدودة كبني هاشم أو بني هاشم والمطلب , اعتمد على السنة الصريحة وحيث إن دلالة الاستقراء ظنية([27]) ودلالة هذا الحديث إن لم تكن قطعية فهي أقوى ظناً فيقدم دلالة الحديث الدالة على أنهم بنو هاشم وبنو المطلب لاسيما وأنه اكثر ضبطاً ، فيكون القول الثاني هو الراجح .
وأما ما ذكره بعض أهل العلم من احتمال أن النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطى بني المطلب من سهمه الخاص فخلاف ظاهر الحديث .
وأما ما استدل به أصحاب القول السادس فهو على التحقيق خارج عن محل النزاع إذ الحديث في طعمة النبي - صلى الله عليه وسلم- , وسهم الغنائم والفيئ ليس طعمة له - صلى الله عليه وسلم- وإنما طعمة لقرباه.
المطلب الثاني : استحقاق آل البيت لجزء من الغنائم والفيئ .
الغنيمة : هو المال الذي ينتزعه المسلمون من الكفار بالغلبة والقهر
والفيئ : هو ما يسره الله للمسلمين من أموال الكفار من غير انتزاعه منهم بالقهر([28]) فيدخل فيه الجزية والخراج وعشور أهل الذمة([29]).
وعلى هذا التفصيل أكثر العلماء([30])وحكى إجماعاً([31]).
وقيل الفيئ : ما ظهر عليه من الأراضي , و قيل : ما أخذ صلحاً , و قيل : هما سواء([32]).
ونقل عن قتادة نسخ آية الفيئ بآية الأنفال في الغنائم ورده أهل العلم ؛ لما عُلم من آية الفيئ متأخرة عن آية الأنفال([33]).
والصواب : لا ريب أن آية الحشر في الفيء , وأن آية الأنفال في الغنائم وأن التفريق بينهما على ما ذكر أولاً , لا سيما وقد نص الله تعالى على أن الفيئ لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب([34]).
يشترك الفيئ و الغنيمة في أن كليهما مال واصل من الكفار , و على أن في كليهما حقاً لأصناف خمسة , و يختلفان في أن الغنيمة مأخوذة قهراً والفيئ مأخوذ عفواً
ويختلفان في أن مصرف أربعة أخماس الغنائم للمقاتلة خلافاً للفيئ([35]).
والمتأمل في آي القرآن الكريم يجد أهمية العناية بخمس الغنائم إذ دلت آية الأنفال على أن أداءه من الإيمان حيث قال تعالى بعد ذكر المصارف : (( وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ إِن كُنتُمْ آمَنتُمْ بِاللّهِ وَمَا أَنزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ وَاللّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) ([36]).
وأكد هذا في السنة المطهرة حيث فسر النبي - صلى الله عليه وسلم- الإيمان بالشهادتين والصلاة والزكاة وأداء الخمس([37]).
و العناية به تتضمن العناية بمصارفه ومن ضمنها ذوي القربى.
قال الشيخ عبد الرحمن بن حسن([38]) : ( ويجب تفقد من في بلاد المسلمين من ذوي القربى و يعطون ما فرض الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم- من الحق من الفيئ والغنيمة ؛ فإن هذا من آكد الحقوق وألزمها لمكانهم من رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ،وأهل الإسلام ما صالوا على من عاداهم إلا بسيف النبوة وسلطانها)([39]).
وهذه العناية بأمر الخمس لا تنفي حصول خلاف في تفاصيله وإن كان الخلاف في قسمة الفيئ أكثر .
يقول ابن القيم : ( فأما الزكوات والغنائم وقسمة المواريث فإنها معينة لأهلها لا يشركهم فيها غيرهم , فلم يشكل على ولاة الأمر بعده من أمرها ما أشكل عليهم من الفيئ , ولم يقع فيه من النزاع ما وقع فيه ولولا إشكال أمره عليهم لما طلبت فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ميراثها من تركته وظنت أنه يورث عنه - صلى الله عليه وسلم- ما كان مِلكاً له كسائر المالكين وخفي عليها -رضي الله عنها- حقيقة الملك الذي ليس مما يورث عنه - صلى الله عليه وسلم- , بل هو صدقه بعده)([40]).
ولما كان الأمر فيه بعض الإشكال خاض فيه أناس لا خلاق لهم واتخذوه سلماً للطعن في الأخيار , و زادوا فيه و نقصوا , و عمدوا إلى تمويهات وإثارة شبهات , حتى راجت على خلق كثير والله المستعان .
و مما وقع الخلاف فيه هل هؤلاء الأصناف المذكورون في آية الخمس والفيء مستحقون لابد من إعطائهم قل الخمس أم كثر ؟ أم هم مجرد مصارف والإمام يعطيهم بحسب المصلحة ؟.
وهل سهم النبي - صلى الله عليه وسلم- , و سهم قرابته من بعده منسوخ ؟ كما قالت قلة من أهل العلم أم هو باقٍ على رأي الكثيرين ؟ .
سنذكر إن شاء الله ما ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم- في ذلك ثم عن خلفائه الراشدين وبه نتوصل إلى الصواب من هذه الأقوال .
أ/ ما جاء عن النبي - صلى الله عليه وسلم- :
1- عن علي - رضي الله عنه - قال: ( كان النبي - صلى الله عليه وسلم- أعطاني شارفاً من الخمس)([41]).
2- عن عمر - رضي الله عنه -: ( هما صدقة رسول الله (خيبر([42]) , و فدك([43]) ) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه)([44]).
وقال - رضي الله عنه - : ( إن الله قد خص رسوله - صلى الله عليه وسلم- في هذا الفيئ بشيء لم يعطه أحداً غيره ثم قرأ (( وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ )) ([45]) فكانت هذه خالصة لرسول الله , والله ما احتازها دونكم ولا استأثر بها عليكم وقد أعطاكموه وبثها فيكم حتى بقي منها هذا المال فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم- ينفق على أهله سنتهم من هذا المال ثم يأخذ ما بقي فيجعله مجعل مال الله)([46]).
3- وقال النبي - صلى الله عليه وسلم- : ( ما تركت بعد نفقة نسائي ومئونة عاملي فهو صدقة)([47]).
4- وسألت فاطمة -رضي الله عنها- النبي - صلى الله عليه وسلم- من السبي فأبى أن يعطيها وفي رواية وقال لها ولضباعة بنت الزبير
سبقكن يتامى بدر وتقدما)([48]).
5- وأهدى للنبي - صلى الله عليه وسلم- أقبية(فقسمها في ناس من أصحابه)([49]) وهذا داخل في الفيئ.
6- و قال النبي - صلى الله عليه وسلم- لجابر : ( لو قد جاءنا مال البحرين لقد أعطيتك هكذا وهكذا)([50]).
7- و بعث النبي - صلى الله عليه وسلم- سرية فغنموا إبلا كثيراً فكان سهم كل واحد اثني عشر بعيراً ونفلوا بعيراً بعيراً([51]).
8- ولما فتح النبي - صلى الله عليه وسلم- قريظة والنظير أمر المهاجرين فردوا إلى الأنصار ما أعطوهم([52]).