07-10-2008, 12:46 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Jan 2006 | العضوية: | 7 | المشاركات: | 1,814 [+] | بمعدل : | 0.26 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الحكواتي عدالة السماء عدالة السماء اللواء الركن: محمود شيت خطاب يرحمه الله كان رجلاً معدماً ولكنه كان سعيداً ، وكانت له عائلة من زوجة وخمسة أولاد وأختين ووالدة طاعنة في السن ، له حانوت يبيع فيه الخضراوات . حانوته هذا في طريق فرعية يبيع فيه سلعته على جيرانه من الفقراء ، ولم يكن له من المال ما يؤجر به حانوتاً في موقع ممتاز أو يشتري به سلعة ممتازة .
أما داره الخربة وتسمى من باب المجاز داراً وهي في حقيقتها غرفة واحدة حولها ركام من الأنقاض ، وفي هذه الغرفة ينام أفراد العائلة ويطبخون ويستحمون وإذا ما عاد الرجل إلى داره بعد غروب الشمس ومعه الخضرة والخبز تستقبله العائلة كلها بالفرح والتصفيق ويتناولون منه ما بيديه ويهرعون إلى القدر لإعداد العشاء .
وكانت تلك العائلة تسكن إلى جوار حاكم في المحكمة العليا ، وكان ذلك الحاكم يعطف على تلك العائلة ويزورها بين الحين والآخر ، وكثيراً ما حدثنا عن عائلة جاره قائلاً :
لم أرَ في حياتي عائلة سعيدة مثل هذه العائلة ، ولم أرَ فرحاً غامراً كالفرح الذي يشيع في العائلة عند عودة ربها من عمله مساءً ، وكنت كثيراً ما أحب أن أعيش وقتاً سعيداً بينها حين يصل جاري إلى داره ، حين تستقبله العائلة كلها بالتهليل والتكبير ، ثم يبدأ عملها الدائب في إعداد العشاء فإذا نضج الطعام بدؤوا بتناوله من إناء كبير فإذا انتهوا من عشائهم حمدوا الله وشكروه
وأكثروا من حمده وشكره ، ثم آووا إلى فراشهم الخلق البسيط فرحين قانعين لا يتمنون على الله غير الستر والعافية وألا يحتاجون إلى إنسان .
وفي يوم من أيام الخريف كانت العائلة تنتظر رجلها مساءً على باب الدار فإذا بهم يرون بعض الشرطة يحملون نعشاً ولما تبين للعائلة الأمر وجدت معيلها الوحيد هو المحمول في النعش !!!
كان قد أغلق حانوته وقصد القصاب المجاور فاشترى لحماً وقصد الخباز القريب فاشترى خبزاً وحمل بقايا خضرته من دكانه فلما أراد عبور الشارع دهسته سيارة طائشة فمات الرجل فوراً وتعثر ما كان معه من الزاد وتجمع الجيران حول النعش وجمعوا بعض المال لتجهيز الجثة الهامدة ، وقدموا ما تبقى من المال إلى العائلة .
وفي صباح اليوم التالي فارقوا الفقيد إلى مقره الأخير ، وكان أكبر أولاده في سن الخامسة عشر يدرس في الصف الثاني المتوسط ليعد نفسه ليكون موظفاً صغيراً بعد تخرجه من الإعدادية ؛ ليعاون أهله ، وبعد يومين من موت والده نفذ آخر ما جمعه الجيران من مال للعائلة ، وفي اليوم الثالث قصد حانوت والده وبدأ يعولُ أمه وإخوته الصغار وعمته وجدته وكان يعود كل يوم بعد غروب الشمس كما كان يفعل والده ولكن الابتسامات غاضت إلى غير رجعه ، والفرع مات إلى الأبد ، وكان الطعام الذي تتناوله العائلة ممزوجاً بالدموع ….
لقد دفنت العائلة سعادتها مع فقيدها الحبيب …
ومرت الأيام ثقيلة بطيئة ودار الزمن دورته فانقضت ثلاث سنوات ودُعيَ
الولد الكبير إلى الخدمة في الجندية بعد أن استكمل الثامنة عشرة من عمره .
واجتمعت العائلة تتداول الرأي هل يترك الابن الثاني مدرسته ؟ وقد أصبح في الصف الخامس الإعدادي ولم تبقَ له غير سنة ليتخرج من الإعدادية لتولي إدارة حانوت أخيه ، وإذا لم يفعل فمن يعيل أهله ؟
واستقر رأي العائلة على بيع الدار ولو أن الخروج منها كخروج الشاة من جلدها لمكانتها عندهم .
والتحق الابن الكبير بالجندية ، وكان معلم التدريب العسكري يلاحظه فيجد فيه ذهولًا وانصرافاً عن التدريب ، فكان ينصحه تارةً ويعاقبه بالتعليم الإضافي تارةً أخرى دون جدوى .
لقد كان حاضراً كالغائب وكان جسمه فقط مع إخوانه الجنود في التدريب ولكن عقله كان بعيداً هناك عند عائلته …
واستدعاه معلمه يوماً وسأله عن مشكلته ففتح له قلبه وأخبره بأمره فبادله المعلم حزناً بحزنٍ ، وأسىً بأسى ، وعرض المعلم مشكلته على آمر الفصيل فأمر بتعيينه في مطبخ الجنود يغسل القدور ويقطع اللحم ويوقد النار ويوزع الطعام .
أما أمه فكانت هي أيضاً حاضرة كالغائبة استقرضت بعض المال من أحد سماسرة بيع الدور لتطعم العائلة به ، ورهنت سند الدار عند السمسار وعرضت الدار للبيع …
واستمر عرض الدار أياماً على الراغبين بشرائه وأخيراً وبعد مرور عشرين يوماً باعت الدار بأربعمائة دينار ثم قضت تسعة أيام في معاملات حكومية رتيبة لنقل ملكيتها إلى المالك الجديد .
وبقي يوم واحد على موعد إعطاء البدل النقدي عن ولدها ، وكان عليها أن تسافر إلى المدينة التي استقر فيها ولدها في الجندية مساء اليوم التاسع والعشرين لتسليم البدل النقدي صباح اليوم الثلاثين فإذا تأخرت عن ذلك الموعد ساعة فلن يقبل من ابنها البدل النقدي .
وقصدت الأم مأوى السيارات التي تنقل الركاب من بلدتها إلى بلدة ولدها ، فوجدت السيارات ولم تجد الركاب . كان الوقت قبيل الغروب من أيام الصيف ، وانتظرت ساعةً في مأوى السيارات دون أن يحضر مسافر واحد ، وانتظرت على أحر من الجمر ، وقد غابت الشمس ، والمسافة بين المدينتين حوالي أربعين ومائتي كيلو متر ، تُقطع بالسيارات في ساعتين ونصف ، فإذا لم تسافر ليلاً ضاع عليها الوقت ولن تصل إلى مدينة ولدها إلا في صباح اليوم التالي ، وعرضت على صاحب أحدى السيارات أن تستأجر - وحدها - سيارته على أن يسافر فوراً … وقبض السائق أجرة سيارته كاملة من المرأة وتحركت السيارة في طرق جبلية ، وفي الطريق تحدث السائق إلى المرأة فعلم منها قصة بيع الدار وقصة دفع البدل النقدي عن ولدها … وتدخل الشيطان بينهما فلعب دوره في تخريب ضمير السائق فعزم على تنفيذ خطة لاغتصاب المال من المرأة المسكينة .
وفي أحد منعطفات الطريق حيث يستقر إلى جانب الطريق الأيمن وادٍ صخري سحيق أوقف السائق سيارته فجأة وسحب المرأة قصراً من السيارة إلى خارجها ونزل إلى مسافة عشرين متراً إلى الوادي السحيق ، وهناك طعن المرأة بخنجر عدة طعنات فلما تراخت وظن أنها فارقت الحياة سلبها مالها وعاد إلى سيارته تاركاً المرأة في مكانها تنزف الدماء من جروحها وقصد المدينة التي كان متجهاً إليها ، فقد خشي أن يعود إلى المدينة التي خلفها وراءه ؛ لئلا ينكشف أمره . وعندما وصل إلى المدينة أوى إلى مأوى السيارات فزعم لأصحابه أن المسافرين الذين كانوا معه غادروا سيارته بعد عبور الجسر ، ووجد ركاباً ينتظرون السفر إلى البلدة التي غادرها مساءً فسافر بهم عائداً من نفس الطريق .
وحين وصل إلى المكان الذي ارتكب فيه جريمته الشنعاء أوقف سيارته وادعى لركابها بأنه يريد أن يقضي حاجته ثم يعود … وانحدر إلى الوادي وسمع أنيناً خافتاً فقصد المرأة السابحة ببركة من الدم وقال لها :
ملعونة ألا تزالين على قيد الحياة حتى الآن … وجمدت المرأة في مكانها وانتظرت مزيداً من الطعنات … وانحنا السائق إلى صخرةٍ ضخمةٍ ليحطم بها رأس المرأة الجريح وما كاد يضع يديه تحت الصخرة إلا وصرخ صرخةً عظيمةً هزت الوادي السحيق ورددتها جنباته الخالية إلا من الوحوش والأفاعي والهوام وسمعها ركاب السيارة فهرعوا لنجدته .
كانت تحت تلك الصخرة الضخمة التي أراد السائق المجرم رفعها ليقذف بها رأس المرأة الجريح حية سامة لدغته ، فسقط إلى جانب المرأة يستغيث ويتألم …
وحمل المسافرون السائق وحملوا المرأة وانتظروا حتى قدمت سيارة أخرى فاستوقفوها وطلبوا من سائقها حمل المرأة والسائق إلى المستشفى التي كانت في المدينة التي يستقر فيها ولد المرأة الجريح ، وفي الطريق فارق الحياة ذلك السائق المجرم متأثراً بالسم …
وفي المستشفى جاءت الشرطة وجاء المحققون العدليون فعرفوا القصة
كاملة ، وانتزع مال المرأة من طيات جيوب السائق اللعين ، وطلبت المرأة حضور ولدها فحضر في الهزيع الأخير من الليل ، وراحت المرأة في غيبوبة عميقة فظن الأطباء والممرضون أنها تعاني سكرات الموت وعمل الطبيب على نقل الدم إليها ، وفي ضحى اليوم التالي فتحت عيناها لتقول لولدها : ادفع البدل النقدي سريعاً .
ثم أغمضت عينيها وراحت في سبات عميق ودفع الولد بدله النقدي وتسرح من الجيش وتحسنت صحة أمه يوماً بعد يوم حتى تماثلت للشفاء حيث غادرت المستشفى إلى بيتها 00 وذهبت قصة نجاتها وقصة موت السائق وقصة الحية المنقذة شرقاً وغرباً وأصبح حديثها حديث الناس جميعاً .
ولقد كان الوادي الذي ارتكب فيه السائق جريمته فيه والذي قذف بين صخوره المرأة الجريح من الوديان الموحشة الخالية من الماء والكلأ فلا يسلكه الناس ولا يطرقونه ، حتى الرعاة لا يجدون فيه ما يفيد ماشيتهم .
وما كانت المرأة الجريح لتسلم من الموت الأكيد لو لم يعد إليها الجاني مدفوعاً بغريزة حب الاستطلاع ، وما كان المسافرون ليعرفوا موضع المرأة لو لم يصرخ الجاني صرخة مدوية بدون شعور ولا تفكير متألماً بلدغة الأفعى السامة ، وما كان ولدها يدفع البدل النقدي لو لم تحدث هذه الأمور . لقد كان ذلك كله من تدبير العلي القدير….
قال الحاكم الذي هو جار لتلك العائلة :
سمعت قصة جارتنا كما سمعها الناس فاشتركت مع الجيران الآخرين لجمع ثمن دارها حتى تستعيدها من صاحبها الجديد وسمع صاحب الدار الجديد هو الآخر بقصتها فأعاد إليها سند الدار وملكيتها ، وبقي المبلغ الذي جمعه لها الجيران مع ثلاثمائة دينار من أصل ثمن الدار فجدد بذلك المبلغ بناء الدار وأقبل الناس على حانوت ولدها يشترون سلعته ويتسابقون على معاونته ، وفي خلال سنة واحدة تضخم عمله وأقبلت عليه الدنيا فانتقل إلى حانوت كبير في شارع عام في موقع محترم … ومرت السنون وفي كل عام كان في الدار بناء جديد ..
وتخرج الأولاد من مدارسهم واحداً بعد الآخر فأصبح أحدهم مهندساً والآخر طبيباً والثالث ضابطاً في الجيش … ولم يعد طعامهم اليومي من شاي وخبز أو من خبز وخضرة بل كان لهم لحم في كل يوم مع ألوان شهية أخرى من الطعام وفتح الله عليهم باب بركاته ، وجعلهم مثالاً للخلق الكريم بين الناس متعاونين في السراء والضراء .
وعلى ضفاف دجلة قرب الجسر الكبير في بغداد دار عامرة بالخير والوفاق والسعادة . هي الدار الجديدة التي انتقلت إليها العائلة الصابرة المحتسبة .
تزوج الأولاد الكبار الثلاثة ، ولكن رباط العائلة مازال قوياً ، وأم الأولاد لا تزال سيدة البيت .
لقد سمعت قصة هذه العائلة من صديقي الحاكم الكبير ، فأردتُ أن أسمعها من أحد أفرادها ، وسألت الابن الكبير الذي كان خضرياً فقيراً فأصبح تاجراً أن يحدثني حديث أمه فقال : ولماذا لا تسمع الحديث منها ؟
فجاءت وروت لي قصتها كاملة ، فقلت لها :
وماذا كان شعورك حين تركك الجاني وحيدة تشخب جروحك دماً في بطن الوادي السحيق ؟
فقالت والإيمان الصادق يشع من كلماتها :
كنتُ أخاطبُ الله عز وجل بقولي : يا جبار السموات والأرض أنت أعلم بحالي …فهيء لي بقدرتك القادرة أسباب دفع البدل النقدي عن ولدي ليعود إلى أهله ويعيلهم …يارب .
واستجاب الله دعائها وأعاد إليها مالها وولدها وانتقم لها من خصمها وبدل حال العائلة كلها إلى أحسن الحال ... وسيقول بعض الناس أن ما حدث صدفة ….
وليقل هؤلاء ما يقولون …. ولكني لا أشك أن ما حدث من تدبير العلي
القدير …..فليس من المعقول أن يحدث كل ذلك صدفة … ولو أراد إنسان أن يوقت حوادث هذه القصة مثل هذا التوقيت الدقيق لعجز .
إن الناس يغفلون وينامون ، والله وحده لا يغفل ولا ينام ، وما من دابة إلا على الله رزقها ، والله لا ينسى رزق النملة في الصخرة القاسية وسط عباب المحيط ، فكيف ينسى أرزاق الأرامل واليتامى ؟! والناس يخشون الناس والله أحق أن يخشوه …والله يمهل …ولكن لا يهمل
ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب … **********drawGradient()******>
|
| |