04-19-2008, 05:09 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | البيانات | التسجيل: | Mar 2006 | العضوية: | 32 | المشاركات: | 835 [+] | بمعدل : | 0.12 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الحكواتي زلزال عابر نُـور مؤيد الجندلي
أراد أن يعلنها ثورة ضدهم، أن يوقد في جدران المنزل ناراً كبيرة، ليحرقه بمن فيه .. وأن يستمتع بتعذيب كل شخص فيه على حدة، وببرودة أعصاب ..
كل ليلة كان ينسج أحلامه السرّيّة والخاصّة في الظلمة، وبتكتم شديد كان يرحل بهواجسه بعيداً آمراً إياها بالتزام الصّمت كلما مرّت فوق حدودهم، ليبني سجنه الكبير ..
مازال يذكر الليلة الأولى لتأسيسه، وكيف ينساها وهي تحمل تاريخ إهانته المنقوش بعمقٍ في ذاكرته .. يوم أن تلقى من والده صفعة أمام رفاقه بسبب تأخره في العودة إلى المنزل كبداية لجلسة تعذيب ..
لم ينسَ أبداً قلبه الصّغير وهو يخفق بشدّة فيتردد صدى خفقانه بين أضلاعه ..
عندما طرق الباب، أخبره حدسه بأنه لن يُرحم، وبأنه الآن مثل كبشٍ سيذبح بسكين ثلمة، وسيسلخ عن جلده حيّاً، وبأنه سيصرخ كثيراً بصوتٍ مكتوم، ولن يسمعه أحد، وسيبكى بلوعة، ولن يمسح دموعه مخلوق، وبأنه سيتمنى لو قربت لحظة موته، لتسبق لحظة المواجهة .. ولكن عبثاً ..
أنى لها أن تمضي دون أن تحفر أخاديدها على جلده المنكمش . وأنّى لها أن ترحل وحيدة دون أن تأخذ معها صويحباتها شاهدات على تعذيبه ..
وهو الذي ذاق كأس الألم حتى ثمل، وهو الذي حفر قبراً لفؤاده، وردم عليه التراب، يوم توجب عليه أن يميت شعوره..
سجنه الكبير كان يتعالى مع الأيام، ليغدو بناء ضخماً، كل حجر فيه يحمل توقيعه، وكل سوطٍ فيه قد رسمت عليه بصماته، حتّى الأغلال أرادها مميّزة يتوجها اسمه .
وعندما أنهى بناء السّجن أدرك بأنه قد غدا يتيماً منذ لحظة إنشائه..
تخيّل والده وهو مقتادٌ إليه، وهو الذي اقتاده إلى يُتمه، ورأى والدته تدخله، لتجلس في زنزانتها الخاصة بها والتي تحتوي على بعض وسائل الراحة، باعتبار أن تهمتها أقل من تهمة والده، فهي لم تتواطأ معه، لكنها سكتت عن ظلمه فلم تجرؤ عن الدفاع عنه .. فلتسكن إذاً زنزانة موحشة لا يخفف عنها أحد وحشتها، ولا يكفكف دموع غربتها، ولا يمسّد شعور الخوف عن قلبها، ولتُنسى إلى الأبد ..
وفي الزنزانة الأكبر في سجنه وضع الحشد الأكبر من المتهمين في قتله .. واستدعى بخياله إخوته وأصدقائه ولم ينج أساتذة المدرسة، أو الجيران والباعة من انتقامه ..
ولحظة صدور الحكم، أحضر أداة القتل .. جُرعة مخدر أراد أن ينهي بها حياته ..
وقبل أن يتناولها .. سمع صرخات والدته تبكي بحرقة عليه، ولأول مرة شاهد والده ينشج بصمت، وحوله إخوته يصرخون بحزن، يرددون اسمه ..
شعر بحزنٍ ينفذ إلى مسامه وهو يراقب مجلس العزاء، وأحس بمرارة القهوة العربيّة في فمه ..
بكى بحرقة معهم لحادثة فقده، ولم يحتمل صرخاتهم مثل خناجر تقطع ما تبقى منه ..
تذكر لحظاته الحميمة التي جمعته بهم، تعب والده من أجل تأمين مصروفه، وحبات العرق على جبين والدته وهي تحكم كي كسرة بنطاله، تذكر لعبة الغميضة، وشرطي وحرامي التي كثيراً استمتع بها في الطفولة مع إخوته، وبرزت في مخيلته صورة أساتذته ونصائحهم التي كثيراً ما تجاهلها رغم يقينه بفائدتها، ولطف الباعة وسكان الحي في بعض الأحيان معه ..
نظر إلى يديه وقد تجسدت له صورة جرمه، وأحس بالدماء تتقاطر من بين أصابعه ..
نهض بتثاقل من فراشه وقد عزم أمراً ..
بحث في عدّة والده عن أكبر مطرقة يمكن أن يوجدها في الظلمة، وبدأ بهدم مشروعه الكبير بزنزاناته وردهاته ونوافذه الضيقة الصغيرة وأبوابه ..
وفي اليوم التالي استيقظ الجميع يتساءلون .. الوالدان والإخوة والجيران وسكان الحي .. عن ذلك الصوت الغريب الذي سمعوه، فاتفقوا على أنه مجرد زلزال عابر لم تبثّه نشرة الأخبار، ولم يسمع به أحد .
|
| |