04-19-2008, 05:05 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | البيانات | التسجيل: | Mar 2006 | العضوية: | 32 | المشاركات: | 835 [+] | بمعدل : | 0.12 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الإسلامي العام تأملا ت في سورة الأعراف تأملا ت في سورة الأعراف
الشيخ صالح بن عواد المغامسي
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن سيدنا ونبينا محمدا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وعلى سائر من اقتفى أثره واتبع منهجه بإحسان إلى يوم الدين أما بعد.
أيها الإخوة المؤمنون: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
فهذا هو اللقاء الأول من المجموعة الثانية من التأملات حول تفسير كلام ربنا جل وعلا وقبل أن نشرع فيما نود تفسيره نبين أمورا:
أن هذه هي التفسيرات هي أشبه بالتأملات والتعليقات على كتاب رب العالمين جل جلاله والمقصود الأسمى منها الناحية العلمية وتبقى الناحية الوعظية فيها تبعا للناحية العلمية فالمخاطب بهذا الدرس طلبة العلم في المقام الأول ولهذا فإن التفصيل في بعض القضايا أمر ملح فليس المقصود الوعظ المحض وإنما المقصود إيجاد جيل علمي يفقه كلام الرب تبارك وتعالى .
ومتى وجد هذا الجيل تبوأ الصدارة في الأمة ونفع الناس، لأنه لا يعقل أن يتصدر إنسان لتعليم الناس وهو يجهل ما جاء في الكتاب العظيم من آيات بينات وعظات بالغات يهذب الله بها خلقه ويرشد الله جل وعلا بها عباده.
ولقد قال الله جل وعلا في كتابه: { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } قال العلماء في تفسيرها: إن من تفسيرها أن علم التفسير علم يعان عليه صاحبه وهو أجل العلوم وقد بينا هذا كثيرا في دروس سابقة نشرت وإنما أجدد التذكير بها. على أننا ونحن نفسر سنقف عند آيات معينة نختارها من السورة التي نفسرها وربما تستغرق السورة الواحدة عدة دروس وربما تستغرق السورة درسا واحدا بحسب ما فيها والله جل وعلا ذكر أن كتابه مثاني أي يثنى يفصل ما كان فيه إجمالا ويبين ما كان فيه مبهما ويبسط الله جل وعلا الحديث عن موضوع ثم يقوله باختصار في سورة أخرى وهكذا, فعلى هذا سنقف عندما نرى أن الوقوف عنده ملزم وما كان غير مكرر في القرآن فهذا يجب الوقوف عنده. فمثلا في سورة يوسف لم تتكرر قصة يوسف إلا في سورة واحدة فلا ينبغي تجاوزها إلى وصلنا إلى السورة بخلاف غيرها كقصة موسى مثلا وردت في عدة سور من القرآن الكريم. هذه مقدمة يظهر أنه من الواجب التذكير بها.
أما السورة التي سنبدأ بها هذه الدروس فهي سورة الأعراف :
ونبدأ بسورة الأعراف لأننا انتهينا في المجموعة الأولى من التأملات إلى سورة الأنعام. فنستهل هنا سورة الأعراف .
وقبل أن نشرع في اختيار الآيات من السورة يجب أن تعلم أنه حتى تفقه القرآن تبدأ به بنظرة كلية ثم تصغر هذه النظرة حتى تصل إلى الزبدة التي تريدها .
فسورة الأعراف من حيث الجملة سورة مكية إلا بضع آيات منها وهي :
قول الله تبارك وتعالى:{ واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ }، فهذه القصة ذكر أنها نزلت في المدينة. أما السورة إجمالا فهي سورة مكية.
والقرآن المكي له خصائص تختلف عن القرآن المدني:
لأن القرآن المكي يهتم بقضايا ثلاث: إثبات توحيد والربوبية والألوهية لله. وذكر صدق نبوة محمد صلى الله عليه وسلم . والبعث والنشور وأهوال اليوم الآخر.
هذه قضايا القرآن المكي على وجه الإجمال ويندرج فيها قضايا كتذكير الله بنعمه على خلقه وهذا يندرج في إثبات التوحيد.
أما القرآن المدني:
فإن أكثره تشريع وأحكام وفقهيات كما في سورة البقرة وآل عمران، وحديث عن السير والغزوات التي كانت في أيامه صلوات الله وسلامه عليه في المدينة وقد بينا في دروس سابقة أن القرآن المكي و القرآن المدني أو السور المكية والسور المدنية أو بتعبير أقل اختصارا الآيات المكية والآيات المدنية في تسميتها هذه خلاف طويل بين العلماء لكن أرجح الأقوال إن شاء الله أن المقصود بالمكي ما نزل قبل الهجرة والمقصود بالمدني ما نزل بعد الهجرة هذا أرجح الأقوال، على هذا قلنا مرارا إن قول الله جل وعلا : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} آية مدنية رغم أنها نزلت في جوف الكعبة والرسول آخذ بعضدتي باب الكعبة أنزل الله جل وعلا عليه قوله : {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا} فخرج إلى الناس ونادى على بني شيبة وأعطاهم مفتاح الكعبة تنفيذا للآية، فالآية نزلت في مكة بل في الكعبة لكنها تسمى آية مدنية لأنها نزلت بعد؟ بعد الهجرة.
فسورة الأعراف من حيث الجملة سورة مكية وهي من أطول سور القرآن المكي، وعدد آيها كما هو معلوم 206 آيات قلنا إنها جملة مكية إلا بضع آيات منها. هذه السورة بدأها الله جل وعلا في إثبات صدق هذا الكتاب وما فيه من خير عظيم وختمها بقوله تبارك وتعالى: {إِنَّ الَّذِينَ عِندَ رَبِّكَ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيُسَبِّحُونَهُ وَلَهُ يَسْجُدُونَ} ، ختمها بآية سجدة وبحسب ترتيب المصحف هذه الآية آية السجدة في الأعراف أول سجدة في القرآن ومن حيث ترتيبها في آي سورة الأعراف هي آخر آية في سورة الأعراف، وهذا يعني ما بين فاتحة السورة وما بين خاتمتها .
تضمنت السورة جملة من القضايا منها:
خلق آدم عليه الصلاة والسلام أبو البشر وما ذكر الله جل وعلا فيها من قصته مع إبليس، ثم بعد ذلك خاطب الله جل وعلا بني آدم بصفة أن آدم أبوهم خاطبهم جل وعلا وناداهم بأربع نداءات :
{يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا}{يَا بَنِي آدَمَ لاَ يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُم مِّنَ الْجَنَّةِ}{يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ}{يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِّنكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي } إلى آخر الآية، ذكرهم الله جل وعلا بأربع نداءات ثم إنه جل وعلا فصل ما أجمله في الأنعام لكن هذا التفصيل ليس بترتيب النزول بل بترتيب المصحف، وإلا الأعراف سورة مكية والأنعام سورة مدنية فعلى هذا سورة الأعراف جاء فيها ما أجمله الله في الأنعام.
الله في الأنعام ذكر الرسل جملة :
{وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ*وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ*وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ*وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ} هؤلاء ذكرهم الله جملة ثم جاء في الأعراف بحسب ترتيب المصحف بدأ يفصل فلم يذكر في الأنعام قصة نوح ولا موسى ولا غيرهما ثم بدأ يفصل بدأ بالأعراف ففصل فيها قصة نوح وقصة هود إلى عاد وقصة صالح إلى ثمود وقصة لوط إلى أهل سدوم وقصة شعيب إلى أهل مدين وقصة موسى إلى فرعون وبني إسرائيل، فهؤلاء ستة من الأنبياء ذكر الله جل وعلا خبرهم تفصيلا فيصبح ترتيب المصحف أنه أجمل في سورة الأنعام وفصل في سورة الأعراف، ثم ذكر الله جل وعلا في السورة بعضا من آياته الدالة على عظيم خلقه وأعاد فيها أن أحدا لا يملك نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله تأكيدا للتوحيد هذا كله عن سورة الأعراف جملة، بعد هذا التصور الكامل عن السورة ننتقل إلى اختيار بعض الآيات المتعلقة بتفسيرها.
على أنه ينبغي أن تعلم أن :
العلم لا يظهر بجلاء إلا إذا اجتمع بعضه إلى بعض، إذا اجتمع بعضه إلى بعض يظهر العلم فإذا جمعت أشتات العلم واكتمل لديك مع الإلحاح والكتابة والتدوين والحفظ وسؤال الله التوفيق يكونه العلم لديك، تراه في أول أمره صعبا كالبحر لكنه يسير على من يسره الله جل وعلا إليه، كالبناء عندما يريد أن يبنيه صاحبه يراه متوسع الأطراف بعيدا، لا يرى إلا حديده وما أشبه ذلك حتى إذا اكتمل بعضه إلى بعض قام بنيانا، كذلك العلم يجب على من تصدر للتدريس أن يعين من يطلب العلم على يديه في فقه العلم وإنه يعطي أشتات العلم حتى يجتمع شيئا فشيئا، وهذا كله أعاننا الله و إياكم بتوفيق من الله وفضل والأمر كله مبدأ ومنتهى وأوسط فضل من الله تبارك وتعالى يهبه جل وعلا لمن يشاء.
قال الله جل وعلا: بسم الله الرحمن الرحيم {المص*كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ}، هذا أول السورة وأنا لا أبدأ تفسيرا قبل أن أفسر أول آية في السورة نفسها لأنها مفتاح قد نتجاوز بعض الآيات نعم لكن أول آية في السورة لا بد من تفسيرها لأنها مدخل.
{المص}:هذه من الحروف المتقطعة وقد مرت معنا في دروس سابقة وأنا أتكلم إجمالا باعتبار التدريس العام،مرت أنها من الذي اختص الله جل وعلا بعلمه هذا قول جمهور العلماء وهو الأظهر.
{كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} معنى الآية :
هذا كتاب فحذف المبتدأ لدلالة الخبر عليه على قول الكسائي ومن تبعه والمعنى أن هذا الكتاب المقصود به القرآن . وقد نكرت هنا كتاب لدلالة التعظيم، أي أن هذا الكتاب أعظم من أن يعرف فإذا عرف في آية أخرى فباعتبار علميته واشتهاره هذا كتاب أنزل إليك، والمخاطب في المقام الأول هنا النبي صلى الله عليه وسلم {فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ} .
فسر الحرج بأحد تفسيرين:
التفسير الأول : فسر بالشك، فيصبح معنى الآية هذا كتاب من الله فلا يكن في قلبك شك منه، وإذا قلنا بهذا التفسير يصبح هذه الآية لها قرائن كقوله تبارك وتعالى :{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكَ}.
التفسير الثاني : اختار جمهور العلماء على أن المراد بالحرج هنا الضيق، فيصبح معنى الآية فلا يكن في صدرك ضيق منه، هذا الضيق لا يفهم أن النبي صلى الله عليه وسلم جُبل على ضيقة الصدر هذا محال لأن الله هيأه صلى الله عليه وسلم لأن يختم به الله النبوات ويتم به الرسالات وليس في القرآن أصلا ما يدعو للضيق في المؤمنين إذن ينجم الضيق من أن هذا القرآن آياته واضحة ظاهرة بينة لا تحتاج إلى دليل لا تحتاج إلى إثبات أنها من عند الله فالعرب أفصح البلغاء وأبلغ الفصحاء ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن . ينجم الضيق مثالا كالطالب الذي عندك تعلمه فأنت لا يصيبك الضيق ولا الحرج ولا الغضب على طالب لم يفقه مسألة صعبة وإنما يصيبك الحرج والضيق على الطالب الذي لا يفهم المسألة الواضحة، المسألة الواضحة التي بينة ظاهرة لا تحتاج إلى علم فيأتي إنسان لا يفقهها يصيبك ضيق حرج في صدرك فالضيق الذي يصيبه صلى الله عليه وسلم من أن دلائل نبوته قاهرة ومعجزاته ظاهرة ومع ذلك لم يؤمنوا به! فنجم عن هذا ضيق في صدره، فالله يقول له فليكن صدرك منشرحا بهذا القرآن لأنه أجل كتاب وأعظم منزل به الهداية والرحمة لكل أحد أراد أن ينتفع به وإن لم ينتفع به قومك وكذبوه وردوه عليك.
هذا { كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلاَ يَكُن فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِّنْهُ } ثم ذكر العلة من إنزاله :
فاللام هنا لام التعليل{ لِتُنذِرَ} ولذلك جاء الفعل بعدها منصوبا{ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } لم يقل الله من المنذَر بالقرآن قال:{لِتُنذِرَ بِهِ } لكن لما ذكر الذكرى قال {وَذِكْرَى} لمن { لِلْمُؤْمِنِينَ } .
إذن من المنذَر بالقرآن؟ أعظم قواعد العلم أن القرآن يفسر بالقرآن والله يقول :{فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَوْمًا لُّدًّا} ، إذن المحذوف هنا هو الموجود في سورة مريم، لتنذر به قوم لدا، يعني الكفار .
{ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ } والإنذار في اللغة هو الإعلام المقرون بالتهديد، على هذا تنجم قاعدة أن كل إنذار إعلام وليس كل إعلام إنذار،{ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} فإن قال قائل إن الله قال في آية أخرى أنه ينذر بالقرآن المؤمنين قال جل وعلا: {إِنَّمَا تُنذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمَن بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ} فيجاب عن هذا بأن الإنذار على قسمين:
إنذار عام وإنذار انتفاع، الإنذار العام ينصرف للكفار أما إنذار الانتفاع ينصرف إلى المؤمنين.
{ لِتُنذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ} هذه الآية الأولى ثم قال الله جل وعلا:
{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ}فأخبر الله جل وعلا أن اثنين يُسألان يوم القيامة : المرسلون والمرسل إليهم، لكن الله لم يقل هنا ماذا يسأل هؤلاء ولا ماذا يسأل أولئك، فأين قال الله وأنا قلت أعانكم الله أن تستحضروا القرآن هذا علم التفسير أين قال الله ماذا يسأل المرسلون وماذا يسأل من أرسل إليهم؟ هنا الله يقول : {فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} لكنه لم يقل ماذا يسألون، أما الجواب :
فإن الله قال عن الأول :{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ} قال عنها: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ}، فيكون السؤال للأمم ماهو سؤالهم؟{مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} هذا من تفسير القرآن بالقرآن. قال الله في القصص: {وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ} هذا حل الإشكال الأول{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ}.
يبقى حل الإشكال الثاني قال الله جل وعلا : {وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ} ماذا يسأل المرسلون؟ قال الله في المائدة: {يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ}، فالإشكال الإجمال الذي في سورة الأعراف فصل في موضعين: فصل في القصص وفصل في المائدة وهذا من تفسير القرآن بالقرآن.
{ فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ*وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ*وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُواْ أَنفُسَهُم } :
الله جل وعلا حكم عدل ويوم القيامة يحشر الناس على أرض بيضاء نقية لم يعص الله جل وعلا فيها قط وليس في تلك الأرض معلم لأحد، الآن أنت تتفق مع زميلك مع جارك مع أخيك على أن تلتقي به في مكان ما فتجعل له أمارة مثلا : مستشفى , إشارة , علامة , دار , مبنى , محل تجاري بينك وبينه تذهب إليه هذا المكان المعلم هو سبب التقائكما .
يوم القيامة يحشر الناس على أرض بيضاء نقية ليس فيها معلم لأحد ليس فيها شيء بارز تجتمع عنده الناس والناس يحشرون حفاة عراة غرلا بهما ليس معهم شيء إذا كان في الدنيا فيه ملك صوري تملكه بيديك ثيابك دابتك سيارتك في يوم القيامة يخرج الناس لا يعلمون شيئا، الله يقول في القرآن: {يَوْمَ يَكُونُ النَّاسُ كَالْفَرَاشِ الْمَبْثُوثِ}والفراش يموج بعضه في بعض ومعنى الآيتين الجمع بينهما أن الناس عندما يخرجون يخرجون أول الأمر كالفراش لا يعرفون أين يذهبون! فإذا تقدمهم إسرافيل وهو الداعي قال الله جل وعلا : {يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ} انتظموا خلف إسرافيل فأصبحوا انتقلوا من حالة الفراش إلى حالة الجراد هذا كله يكون يوم القيامة يوم القيامة له أهوال عظيمة قال عمر بن الخطاب رضي الله عنهما لابن عباس: "مع أنني على ما قلت عني لو أن لي ملء الأرض ذهبا لافتديت به من هو المطلع".
مما يكون يوم القيامة الميزان، وأهل السنة يقولون سلك الله بنا وبكم سبيلهم يقولون: إنه ميزان حقيقي له كفتان وله لسان، والله جل وعلا يقول {وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ فَلَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَإِن كَانَ مِثْقَالَ حَبَّةٍ مِّنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنَا بِهَا وَكَفَى بِنَا حَاسِبِينَ} ، والله يقول هنا{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} القصد بكلمة الحق أنه لا جور فيه ولا ظلم ولا بخس ولا رهق ميزان حق يكفي أن الله جل وعلا قائم عليه فهو تبارك وتعالى أعدل الحاكمين وأحكم العادلين .
على هذا اختلف العلماء ما الذي يوزن؟ مع اتفاقهم جملة أهل السنة على أنه يوجد ميزان له كفتان، على أقوال أشهرها:
القول الأول : أن الذي يوزن العمل نفسه، والذين قالوا بهذا القول احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم (الطهور شطر الإيمان والحمد لله تملأ الميزان) موضع الشاهد أنه قال أن : (الحمد لله تملأ الميزان) فهذا معنى إن العمل نفسه يوزن، وقال صلى الله عليه وسلم اقرؤوا الزهراوين البقرة وآل عمران فإنهما يأتيان يوم القيامة كأنهما غايتان أو فرقان طير صواف تحاجان عن أصحابها) فهذا من من أدلة من قال إن الذي يوزن العمل.
القول الثاني : إن الذي يوزن صحائف العمل، وهؤلاء احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم كما عند الترمذي بسند صحيح : (إن الله سيخلص رجلا من أمتي يوم القيامة على رؤوس الخلائق ينشر له تسعة وتسعون سجلا كل سجل مد البصر فيقول له ربه: أتنكر مما رأيت شيئا ؟ فيقول لا يارب فيقول الله جل وعلا له أظلمك كتبتي الحافظون فيقول: لا يا رب، فيقول الله:إن لك عندنا بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله ،فيقول يارب وماتغني هذه البطاقة مع هذه السجلات: فتوضع البطاقة في كفة والسجلات في كفة" قال صلى الله عليه وسلم: " فطاشت السجلات ورجحت البطاقة "وعند زيادة عند الترمذي " ولا يثقل مع اسم الله شيء) فهذه أدلة من قال إن الذي يوزن صحائف العمل، والقول الأول أنه يوزن العمل.
القول الثالث: أنه يوزن صاحب العمل وهؤلاء احتجوا بقوله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين (يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة –والمقصود الكافر- يؤتى بالرجل السمين يوم القيامة فلا يزن عند الله جناح بعوضة) ثم قرأ عليه الصلاة والسلام : {فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَزْناً} هذه أحد أدلة من قال إن الذي يوزن صاحب العمل، واحتجوا كذلك بأن النبي صلى الله عليه وسلم لما ضحك الصحابة من رجل عبد الله بن مسعود قال صلى الله عليه وسلم : (أتعجبون من دقة ساقيه فلهما أثقل في الميزان من جبل أحد) . أي رجلا عبد الله بن مسعود أثقل في الميزان من جبل أحد هذه هي أدلة من قال إن الذي يوزن صاحب العمل.
قال الحافظ بين كثير رحمه الله تعالى جمعا بين الأدلة :
ولا يبعد أن يوزن هذا تارة وهذا تارة وهذا تارة، والأظهر والله تعالى أعلم أنه يوزن العمل وصاحبه وصحائف الأعمال جمعا بين الأحاديث وجمعا بين الآثار، وهذا هو الذي تستقيم به الآيات والله تعالى أعلم.
{ وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }فالذي يعنينا هنا كخطاب قرآني أن يعنى الإنسان بأعماله الصالحة وأن يسعى فيما يثقل به الميزان ومن أعظم ما يثقل به الميزان حسن الخلق الذي تتعامل به مع الناس قال عليه الصلاة والسلام : (الدين المعاملة) ولم يكن صلوات الله وسلامه عليه فضا ولا غليظا في خطابه فليس الدين مجرد ركعات تؤدى في المساجد وإن كانت الصلاة في الذروة الأعلى من الدين ولكن الدين جملة معاملة مع إخوانك المؤمنين مع والديك مع أبنائك مع زوجاتك مع جيرانك مع عامة المسلمين تحب لهم ما تحب لنفسك تؤثرهم على نفسك تقبل اعتذارهم وتقيل عثراتهم وتقدم الصورة المثلى لما أمر الله به في كتابه وما أمر به رسوله صلى الله عليه وسلم، كما سئلت أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها وأرضاها عن خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت كان خلقه القرآن) ، أي أنه يطبق القرآن صلوات الله وسلامه عليه، ومن الخطأ العظيم الذي نقع فيه أن نعتقد أن اتصالنا بالدين وقف على أشهر معينة كرمضان أو أماكن معينة كالمساجد وإنما يعبد الله جل وعلا بكل لسان وفي كل مكان وأخوة الإسلام تفرض علينا مطالب شتى في تعاملنا نكون بها إن شاء الله عباد الله إخوانا كما أمر نبينا صلى الله عليه وسلم.
قال الله جل وعلا كذلك في هذه الآيات:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُن مِّنَ السَّاجِدِينَ} ، هذه تكلمنا عنها في تفسير سورة البقرة وأنا أتكلم إجمالا:
خلق الله جل وعلا أبانا آدم عليه السلام من قبضة قبضت من الأرض وجاء في بعض الآثار أن الله بعث ملكا يقبض تلك القبضة فلما وصل إلى الأرض قالت له الأرض : " أعوذ بالله منك " فرجع إلى ربه فسأله الله وهو أعلم قال : " يا رب استعاذت بك فأعذتها " فبعث الله وهو أعلم ملكا آخر غيره فقالت له الأرض مثل ما قالت لصاحبه فرجع إلى ربه فقال له مثل ما قال الأول فبعث الله ملكا ثالثا فلما جاء أن يقبض من الأرض قالت الأرض كما قالت لصاحبيه " أعوذ بالله منك " قال : " وأنا أعوذ بالله أن لا أنفذ أمره " ثم أخذ قبضة من الأرض هذه القبضة جاءت مجتمعه مخلوطة ممزوجة فلما رفعت إلى ربنا جل جلاله خلطت بماء فأضحت طينا ثم تركت فترة فأضحت صلصالا من فخار بحيث أنه لو قرع يحدث صوتا على هذا هذه المراحل الثلاث كلها ذكرها الله جل وعلا في كتابه فقال جل ذكره : { خَلَقْنَاكُم مِّن تُرَابٍ} وقال: {خَلَقْنَاهُمْ مِنْ طِينٍ} وقال جل وعلا : { مِن صَلْصَالٍ كَالْفَخَّارِ} لأن هذه المراحل الثلاث كلها مر بها خلق أبينا آدم.
ثم قال الله جل وعلا هنا: {وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ} لكن الله لم يقل في الأعراف هل صور آدم على هيئة حسنة أم على هيئة غير حسنة فأين أثبت الله حسن خلق آدم؟ في سورة التين: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}. ولهذا قال بعض الفقهاء لو أن رجلا قال لامرأته: " أنت طالق إن لم يكن وجهك أحسن من القمر " لا تطلق، ولو كانت من أقبح الناس وجها لأن الله جل وعلا يقول : {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} .
ثم وقع من أبينا آدم عليه الصلاة والسلام المعصية بالأكل من الشجرة وأهبط إلى الأرض فلما أهبط إلى الأرض جاءت النداءات الربانية الإلهية لبني آدم فناداهم الله في الأعراف بأربع نداءات:
قال في الأولى جل وعلا: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ} ، هذه الآية مسوقة في سياق الامتنان واللباس هو اللباس الضروري الذي تستر به العورة، والريش هو اللباس الزائد عن الضروري التي يتجمل به الإنسان .
{قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ} أي عوراتكم، وسميت العورة سوءة لأن العاقل يسوؤه أن تظهر عورته للناس، فالله يقول في باب الامتنان على عباده: {يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشًا} لباسا ضروريا ولباسا زائدا تتزينون به .
فلما ذكر الله اللباس الحسي ذكر اللباس المعنوي فقال جل وعلا : {وَلِبَاسُ التَّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ } أي خير من كل شيء خير من كل لباس .
ولباس التقوى: أن يكون الإنسان مكتسيا بتقوى الرب تبارك وتعالى في قلبه يخشى الله تبارك وتعالى ويخافه يجتنب نواهيه ويأتي أوامره هذا هو المؤمن حقا الذي ارتدى خير لباس:
ليس الجمـال بمئزر ***فاعلم وإن رديت بردا
إن الجمال معادن ومنـا***ـاقب أورثن مجدا
|
| |