01-18-2006, 01:29 AM
|
المشاركة رقم: 3 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | صاحبة الموقع | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Jan 2006 | العضوية: | 3 | المشاركات: | 5,550 [+] | بمعدل : | 0.80 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | كاتب الموضوع :
الهاشمية القرشية المنتدى :
ملوك - علماء - قادة - عظماء شبكة التفسير:هل هناك دراسات استشراقية في الدراسات القرآنية جديرة بالترجمة ولم تترجم بعد ؟ ولا سيما باللغة الألمانية ؟
د.موراني : لم تصدر دراسات كثيرة حول القرآن في ألمانيا في الأعوام القريبة الماضية ، وأذكر أن كليتنا في بون نظمت ندوةً حول القرآنِ خاصةً تحت عنوان: (القرآنُ نصاً) ، ونُشرتْ المشاركاتُ في كتابٍ ، نشرته دار Brill في مدينة ليدن . وهي بحوث باللغات الألمانية ، والانجليزية ، والفرنسية. ويبقى كتاب نولدكه الذي تقدمت الإشارة إليه بعنوان (القرآن والعربية) الذي يشرح فيه الأسلوب اللغويَّ للقرآنِ وبلاغتهِ شرحاً دقيقاً ، فهو لم يترجم بعد للعربية حسب علمي.
شبكة التفسير : أشرت في بعض كتاباتك في ملتقى أهل التفسير إلى تغيرِ صورةِ الاستشراق المعاصر, عن الاستشراق الأصيل الذي كان إلى بداية الثمانينيات تقريباً. فما هي سِماتُ الاستشراق الأصيل برأيك ؟ وما الذي تغير في الاستشراق المعاصر؟
د.موراني : الاستشراق الأصيل , أو قل بعبارة أخرى : الاستشراق التقليدي ، لا وجود له اليوم في المعاهد الاستشراقية في الغالب إلاَّ في بعضٍ منها ، حيث ما يزال المعهدُ يحظى بآثار الأساتذة السابقين ، وبمناهجهم التعليمية التقليدية في الاستشراق.
إنَّ الصفات المميزة لهذا الاستشراق الأصيل هي الدراسة المتواصلة في جميع فروع العلوم الإسلامية ، كالتفسير , والحديث , وعلوم الحديث , والفقه وأصوله , وعلم الكلام , والتاريخ رواية ودراية وغيرها. وذلك إلى جانب دراسة اللغات ذات العلاقة بالحضارة الإسلامية.
غير أننا نشاهد اليوم , وهذا من انطباعاتي الشخصية, أَن الطالب في تلك المعاهد لم يعد له صلة بهذه العلوم بصورة عامة , ولا يستطيع بعد نيله درجة الماجستير على سبيل المثال أن يتصفح في (لسان العرب) حسب ترتيبه أو في (تاج العروس) حسب ترتيبه الآخر ، وهذا التقصيرُ المؤسفُ يعود إلى تغيرِ منهجية التدريس للمواد المذكورة أعلاه ، أو بمعنى أصح : إلى عدم تدريسها بصورة جيدة كافية ، مما أنتج مثل هذه النوعية الضعيفة من الطلاب.
وهناك أسباب خارجية لهذه التغيرات السلبية في الاستشراق التقليدي الأصيل , منها الظروف التعليمية في الجامعات حيث من المفترض على طالب العلم أن يكمل دراساته خلال أربع سنوات بنيله درجة الماجستير ، في حين قد بدأ دراسته لقواعد اللغة العربية كتابةً وقراءةً في الفصل الأول ، ولم تكن لديه خبرة أو معرفة بهذه اللغة من قبل! فعلى سبيل المقارنة : بدأتُ دراساتي الجامعية عام 1963م ، وحصلت على درجة الدكتوراه بعد عشر سنوات.
وربما أهم من هذا الأسباب التي تعود إلى عدم اهتمام طالب العلم بالعلوم الإسلامية المذكورة أعلاه ، وتركيزه على دراسة القضايا المعاصرة في العالم الإسلامي العربي منذ النهضة العربية ، وما بعد غزو نابوليون لمصر.
وهناك يتساءل المرء - على سبيل المثال- : كيف يمكن إدراك ودراسة أفكار المتأخرين من المفكرين المسلمين مثل سيد قطب ، أو محمد عبده وأمثالهما بغير معرفةٍ عميقة بأصول الدين الإسلامي ، والفقه وغيرها من العلوم الإسلامية ؟!
فالاستشراقُ الأصيل إذاً يعودُ إلى الأصول ، ويدرسها دراسةً واسعة ، ويُحاول الاقترابَ من منهجيتها عبر القرون . أَمَّا الاستشراق الحديثُ فهو اليوم بِمثابةِ علمِ الصحافةِ ، والعلوم الاجتماعيةِ الأخرى ، اللهمَّ إلا القليلِ النادر منه.
شبكة التفسير : ما سبب اهتمامك بالتراث المالكي المغربي ؟
د.موراني : هذا السؤال قد يَخرجُ في موضوعه عن إطارِ الأسئلةِ الأخرى ، ومع ذلك فأقول : إنه لم يكن هناك سبب بعينه , بل كان انطلاقي إلى مكتبة القيروان مجرد صدفة إن صح التعبير ! إذ كان أستاذي المشرفُ - رحمه الله- متخصصاً في الحضارة الإسلامية في أفريقيا وخاصة في الأندلس ، ونبهني إلى أن هناك مجموعة من المخطوطات بالقيروان لم يشتغل بها أحد (وذلك في منتصف السبعينات). فعندما واجهت صعوبات كثيرة للحصول حتى على ورقة واحدة على الرَّقِّ من هذه المَجموعةِ تَمسكتُ بالغايةِ واتصلتُ بعدةِ جهاتٍ حتى فُتحت لي أبوابُ المكتبة أولاً في المكتبة الوطنية بتونس (إلى حيث نقلت المخطوطات بأمر رئيس الجمهورية) , وبعد ما نقلت المجموعة مرةً أخرى إلى مكانها الأصلي إلى القيروان , وذلك أيضاً بأمر رئيس الجمهورية الذي تراجع عن قراره الأول بسبب الاحتجاجات الشديدة من جانب أهل القيروان الذين اعتبروا القرار الأول غير شرعيٍّ ؛ لأَنَّ المخطوطات كانت وَقفاً على الجامع الكبير بالقيروان ، وأنا شخصياً كنت من هؤلاء المحتجين وقتذاك.
وبعد أن رأيتُ قيمة هذه المجموعةِ من المخطوطات ركزتُ جهدي على دراسةِ بعضها , وخاصة البحث عن كتب عبدالله بن وهب المصري ، وكتب عبد الملك بن حبيب الأندلسي وتحقيقها ودراستها. وعامة على الكتب الفقهية المؤلفة في الفترة ما بين تأليف الموطأ لمالك بن أنس ، والمدونة لسحنون .
ورأيتُ أَنَّ هناك علاقات بين القيروانِ ومدينة فاس بالمغرب ، خاصةً في ميدان رواية المدونة لسحنون ، ولهذه العلاقات آثار أيضاً عند الأندلسيين يمكن سردها من خلال المخطوطات وليس من خلال كتب الطبقات المعنية فحسب.
ونظراً إلى أهمية هذه المخطوطات التي تَمَّ نسخُها في القرنين الثالث والرابع الهجريين جَمعتُ هذه التحفَ التراثية في المكتبة القيروانية ، والمكتبات المغربية في مُصوراتٍ رقميةٍ ، وأدخلتُها مُرتَّبةً في الحاسوب الآلي ؛ وذلك للقيامِ بِمَشروعٍ جديدٍ - وهو قد يكون الأخير لي- وهو: إحياءُ أُمَّهات الكتبِ المالكيةِ ونشرها. ومشروع (المكتبة الرقمية للتراث المالكي) يشتمل على أهم الكتب المخطوطة للمذهب المالكي التي تم تأليفها في الفترة ما بين تأليف الموطأ والمدونة إلى أواخر القرن الرابع الهجري ، بما في ذلك المختلطة لسحنون إلى جانب المُدَوَّنة , ومختصر المدونة ، والمختلطة لابن أبي زيد القيرواني الذي لم يُنشر إِلا الجزءُ الأخير منه , وهو الجامع.
وقد سبق لي أن أشرتُ إلى قلةِ اهتمام الطلبة , أو بِمعنىً أصح :عدم اهتمامهم بهذه الجوانب العلمية في الاستشراق المعاصر , وهو أمرٌ يجعلُ تنفيذ هذا المشروع صعباً ؛ إذ إنه لا يُستَغنى عن مساعدين مؤهلين يشاركون في دراسة هذا التراث وإخراجه على مستوىً أكاديميٍّ لائق ، وإلى جانب ما نحتاج إليه من الطاقة البشرية العلميةِ ، يَجبُ أَلاَّ ننسى الجوانب المادية لتحقيق هذه الأهداف المنشودة.
شبكة التفسير : منذ ثلاثة وأربعين عاماً يا دكتور وأنت مشتغل بالدراسات العربية الإسلامية ، وقد أنقفت في سبيل ذلك كثيراً من الجهد والوقت والمال. هل يمكن لسعادتكم أن تحدثونا عن هذه التجربة بتركيز ، كيف كانت هذه الرحلة مع العلوم الإسلامية ؟ وكيف وجدت التعامل مع اللغة العربية ونصوصها هل لا تزال تستعصي عليك معانيها في بعض الأحيان ؟ وهل يمكنك فهم الشعر العربي بسهولة ؟ حدثنا عن هذه الرحلة لنستفيد. ثم بماذا توصي طالب العلم المسلم المتخصص في الدراسات القرآنية ؟
د.موراني : قضيتُ ثلاثةً وأربعين عاماً في هذه الدراسات ، منها عشرة أعوام طالباً في الجامعات، ولم أنقطع عن الدراسة إلا عامين فقط . وقد كانت بداية الدراسة صعبةً ؛ إذ كانت هذه الحضارةُ غريبةً عليَّ ، كما كانت المعايير الدينية غريبةً أيضاً ، إلى جانب صعوبة دراسة اللغة. وقد تغيرت الأحوال عند لقائي الأول والمباشر بهذه الحضارة ، وبهذا المجتمع الآخر أثناء إقامتي الأولى في مصر.
لم أبحث عن العلم والدرس في كلية الآداب في جامعة القاهرة ، بل أردت أن أقترب من هذا المجتمع اقتراباً مباشراً ؛ لكي أفهم طريقة تفكير الناس ولكي أفكر كما يفكرون.لم أحضر المحاضرات في الكلية إلا من حينٍ إلى آخر ، وقضيتُ أغلبَ أوقاتي في جوار الأزهر مع تجار خان الخليلي ، وقضيت معهم الأيام من الصباح حتى ما بعد العصر. وكانت لهذه اللقاءات المتواصلة ثمراتها من ناحيتين:
أولا: فهمتُ لهجة الناس ، وأصبحتُ ملازماً لهم في الحديث اليومي.
ثانياً: تعرفت على وفاء هؤلاء الذين صحبتهم في القاهرة ، حيث جئت زائراً لهم بعد اثني عشر عاماً ، وعندما دخلت السكة في الحارة التي كنت أتجول فيها يومياً قام التاجر الفلاني من كرسيه ، وقام الآخر ، والثالث ورحبوا بي ، وسلَّموا عليَّ باسمي وهو بلا شك غريب عليهم لأنه اسم (خَواجة) ، و سلُّموا عليَّ كأَنني فارقتُهم بالأمس. فهنا أخاطبكم جَميعاً : مَنْ يبحث عن هذا الكرمِ وهذا الوفاءِ في المجتمع الغربي فإنه يبحث عنه بلا جدوى !
هكذا كان اللقاء الجديد ليس مع التجار فحسب بل ببعض طلبة الأزهر أيضاً الذين التقيت بهم في مناسباتٍ عديدة ، حتى أصبحتُ ضيفاً دائماً أيام الجمعة لحضور الخطبة في رحاب الأزهر الشريف حيث سَمحَ لي الخطيبُ حينذاك أَنْ أستمع إلى الخطبةِ ، وأنا أنتظره في مكتبه أثناءَ الصلاة.
وهناك تعرفتُ على فئاتٍ أخرى من الناس لم أستطع أن أعرفهم في كلية الآداب في الجامعة. وهنا لم يجر الحديثُ حول التأريخ كما جرى في الكلية ، بل حول الحديث النبوي وفهمه أولاً ، وبعد ذلك عن التفسير وعلومه.
وأصبح من الضروري أن أدخل المكتبة الأزهرية لكي أطلب مخطوطاً في قاعة محمد عبده لقراءته أو للنظر فيه لأول مرة في حياتي عام 1968م ،كانت هذه الخطوات الأولى اقتراباً من هذهِ الحضارةِ ، وهذا المجتمع المُسْلِم , وهي تجاربُ لا تُدَرَّسُ في الكليات.
أَمَّا الشِّعْرُ فلم يكن لي اهتمامٌ به ، غير أنَّ أستاذي في جامعةِ بون كان متخصصاً في الشعر الأندلسي ، وقد عَذَّبنا به ، وبتراجم الشعراءِ ، وقرأنا عليه الشعر بغير رغبة فيه. وهكذا الأمرُ في الشعر بصورةٍ عامةٍ لا أجدُ ميلاً وتسليةً في قراءته حتى الشعر الكلاسيكي الأوروبي .
وأما ما أوصي أنا طالب العلم المسلم فإِنَّني أُذكِّرُ كُلَّ ذي عِلْمٍ بالحرص على حفظ كتب التراث في الدراسات القرآنية خاصةً والتراثية عامة ، وهي كنوزٌ ونوادر لم تر نورَ الشمس إلى الآن ، بل ما تزال مُختبئةً على رفوف المكتبات. وهي في حاجة إلى طلابٍ نبهاء يتصدون لتحقيقها ، وإخراجها للناس ، وفي هذا وفاء لمؤلفيها الذين بذلوا في تأليفها وقتاً وجهداً كبيراً. فشُدّوا الرِّحالَ إلى هذه الأماكنِ قَدْرَ الاستطاعةِ ، وابذلوا في ذلك ما يستحقه من التعب والمال ، فكأَنَّهُ صار فرضاً عليكم ولن يقوم به أحدٌ نيابةً عنكم ، ومَنْ يَرَ تلكَ النوادرَ والكنوز المخبئة يفهمُ حقيقةَ المثل القائل: في الزوايا خبايا.
أخر تعديل بواسطة الهاشمية القرشية ، 01-18-2006 الساعة 01:32 AM |
| |