05-08-2006, 12:17 AM
|
المشاركة رقم: 2 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | البيانات | التسجيل: | Mar 2006 | العضوية: | 32 | المشاركات: | 835 [+] | بمعدل : | 0.12 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | كاتب الموضوع :
صريح للغاية المنتدى :
نصرة القرآن والسنة ونبي الأمة رد على: تأملا ت في سورة آل عمران ج3 أول بيت وضع للعبادة :
(( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ )) وضع لماذا ؟ وضع للعبادة وإلا البيوت قديمة . وليس الكلام عنها سواء كانت قديمة أو حديثة , وإنما يتكلم الله جل وعلا عن أول بيت وضع للعبادة . هذه الآيتان فيها كلام طويل نحاول قدر الإمكان أن نجمله :
أن المسجد الحرام أول مسجد وضع في الأرض للعبادة قال صلى الله عليه وسلم كما في الصحيحين من حديث أبي ذر رضي الله عنه لما سأله : يا رسول الله أي بيت وضع في الأرض أول ؟ قال : ( المسجد الحرام ) , قال ثم أي ؟ قال : ( المسجد الأقصى ) , أو بيت المقدس , قال : كم بينهما ؟ قال : ( أربعون سنة ) . من الذي قال بينهما أربعون سنة ؟ الرسول صلى الله عليه وسلم . والمشهور أن الذي بنى بيت المقدس هو سليمان بن داود عليهما السلام والمشهور الذي بنى البيت الحرام هو إبراهيم عليه السلام . و إذا أخذنا بهذا المشهور فلن يتفق الحديث مع الآية , لأن بين إبراهيم وسليمان ثلاثة قرون تقريباً والنبي صلى الله عليه وسلم قال : ( أربعون سنة ) .
إذاً فالصحيح إن شاء الله : أن آدم عليه السلام هو أول من وضع الكعبة وبيت المقدس . ولا يمكن أن ينطبق الحديث إلاّ على آدم , ويصبح الكلام أن الله جل وعلا أمر آدم أو ملائكةً قبله أن يبنوا الكعبة ثم أمره بعد أربعين سنة أن يبنى بيت المقدس , ثم بين الله لإبراهيم مكان الكعبة ولذلك قال الله : (( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ )) سورة الحج ( 26 ) , أي: مكان الكعبة فأعاد بنائها , ثم بين لداود وسليمان عليهما السلام مكان بيت المقدس فأعادا بنيانه .
المسجد الحرام والمسجد الأقصى والمسجد النبوي هي الثلاثة التي تشد إليها الرحال ـ وأنا أتكلم هنا بلا ترتيب لأنني قلت أن ما يتعلق هنا من الفوائد كثير ـ .
المسجد الأقصى وقصة مسجد قبة الصخرة :
المسجد الأقصى فيه صور تنقل كثيرة , هناك مسجد اسمه قبة الصخرة و هناك مسجد اسمه المسجد الأقصى , فالمسجد الأقصى هو الذي ليس عليه قبة وهو الذي صلى فيه النبي صلى الله عليه وسلم و ربط فيه دابته البراق , أما قبة الصخرة فالصخرة هذه كانت تعظمها اليهود وتصلي إليها في غابر الأزمان , ولما جاء بختنصر من بابل من العراق وأهلك اليهود أعانه النصارى , ولذلك فالعداوة بين اليهود و النصارى عداوة قديمة .
الصخرة كانت تعظمها اليهود في حين أن النصارى يعظمون كنيسة القيامة وما حولها بيت المقدس عموماً . إذاً فبيت المقدس متفق عليه بين اليهود والمسلمين والنصارى على أنه أرض مباركة وكل منهم له فيه غاية . وبيت المقدس كانت فيه الصخرة لما فتح عمر رضي الله عنه بيت المقدس و خرج من المدينة صلحاً وسلمت إليه مفاتيح بيت المقدس كانت النصارى مسيطرة على المدينة وكان اليهود أذلة , كانت هذه الصخرة يجعلها النصارى نكاية في اليهود مجمع للنفايات , وكان مع عمر رضي الله عنه كعب الأحبار ـ يهودي أسلم في المدينة ـ فسأل عمر رضي الله عنه كعب الأحبار فقال : " أين تراني أصلي؟ " فقال : " أرى أن تصلي خلف الصخرة " , حتى يصبح عمر رضي الله عنه مستقبل الكعبة وأيضا مستقبل الصخرة , فقال له عمر رضي الله عنه : " ما فارقتك يهوديتك تريدني أن أستقبل الصخرة حتى يرتفع شأن اليهود " , فتقدم و جعل الصخرة خلفه . وهو يعلم عمر رضي الله عنه أن الصخرة معظمة وأخذ يمسح النفايات عنها ولكنه لم يرد أن يصلي فيجعلها في قبلته فتفتخر بها اليهود . فالصخرة في بيت المقدس و بيت المقدس كله مبارك بلا شك لكن عمر رضي الله عنه لم يرد أن يجعل للصخرة خصوصية تزيد على خصوصية بيت المقدس فتقدم وجعل الصخرة خلفه .
السياسة لا تدخل في شيء إلا أفسدته :
بقيت الصخرة على هذه الحالة حتى كان عبدالملك بن مروان الخليفة الأموي وكان الذي ينازعه الخلافة خصمه عبدالله بن الزبير رضي الله عنه في مكة , والعرب كانت تحج إلى مكة فيلتقون بابن الزبير رضي الله عنه .
والسياسة لا تدخل في شيء إلا أفسدته . ولذلك العاقل لا يأخذ آراء السياسيين حتى لو كان أتقى خلق الله . فلا تكن إمعة كل من يحمل راية سياسية تعتقد أنها راية دينية , أصبح الناس يأتون ابن الزبير رضي الله عنه خصيم عبد الملك بن مروان ثم يعودون راجعين إلى الشام يقولون لعبدالملك بن مروان : " أن الناس وأمراء القبائل يحجون و يقابلهم ابن الزبير " . فأمر عبدالملك بن مروان أن يبنى على الصخرة قبة تكسى مثلما تكسى الكعبة وزينها لعل الناس أن يأتوها لسبب سياسي واحد هو أن ينصرفوا عن ابن الزبير رضي الله عنه .
ففهم الأمور في سياقها يريحك كثيراً عندما تستمع إلى أي خطاب سياسي . السياسة فيها شيء اسمه مراحل فالورقة هذه تنفع اليوم ما تنفع غداً , فلما انتهت القضية هذه بقتل عبد الله ابن الزبير رضي الله عنه على يد الحجاج بن يوسف واحتل العراق , عبد الملك لم يبالي بالصخرة ولم يكسها ولم يهدمها وإنما تركها على حالها الذي هي عليه اليوم , وجاء بعده ملوك لم يفهموا لماذا بناها وأخذوا يزينوها . هذه قصة بيت الصخرة , في قول الله تعالى : (( إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ )) هذه الفائدة الأولى .
الفائدة الثانية : قال تعالى : (( لَلَّذِي بِبَكَّةَ )) والاسم الآخر مكة .
فهل هما بمعنى واحد أم المعنى يختلف ؟
القول الأول : قال بعض العلماء إن " الباء والميم " في اللغة كثيرة الإبدال بعضها عن بعض , فيقولون هذا طين لازب وطين لازم بالميم والمعنى واحد , على هذا القول تصبح مكة وبكة معناهما واحد ويصبح الباء والميم بينهما بدل .
القول الثاني : أن بكة المقصود بها المسجد الحرام نفسه , ومكة يقصد بها الحرم كله , هذا قول وكلا القولين لا يمكن أن يكون تنافي بينهما ولا يتعلق به كثير اختلاف .
لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً )) ولاشك أنه مبارك بدليل أمور لا تعد منها : ))
1ـ أن الله جل وعلا يضاعف فيه الحسنات .
2ـ أن من حج البيت ولم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه .
3ـ أن الله شرع فيه الطواف ولا يشرع إلا فيه . وغيرها كثير .
والله نعته بأنه مبارك (( لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ )) .
(( فِيهِ )) أي : المسجد الحرام (( آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ )) لم يذكر الله الآيات وإنما ذكر واحدة فقال : (( مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ )) إذاً يصبح تقدير الكلام فيه آيات بينات كثيرة منها مقام إبراهيم . هذا أرجح ما قيل في إعرابها أنه مبتدأ لخبر محذوف مقدم تقديره منها مقام إبراهيم , وقيل غير ذلك لكن هذا الذي نراه والله اعلم .
من هذه الآيات الموجودة في الحرم المكي مقام إبراهيم .
والسؤال ما مقام إبراهيم ؟
إبراهيم عليه السلام قلنا هو الذي رفع جدار الكعبة بناه وساعده ابنه إسماعيل عليه السلام . لما ارتفع البنيان وهذا مشهور قدم إسماعيل حجراً لأبيه ليرتقي عليه , حتى يبقي الله هذه المزية لإبراهيم عليه الصلاة والسلام أصبح الصخر رطباً فآثار قدمي إبراهيم عليه الصلاة والسلام بقيت في الصخرة ظاهرة بينةً على مر الزمان . حتى إن قبيلة في العرب تسمى بني مدلج معروفة بالقفاية ـ يعرفون الأقدام والأرجل ـ وكانوا يطوفون بالبيت ويرون أقدام إبراهيم عليه السلام , وذات يوم عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم صغير في حجر جده عبدالمطلب خرج يلعب رآه أحدهم فحمله إلى جده وقال له : من هذا منك , قال هذا ابني , فقال : حافظ عليه فإنه أقرب شبهاً إلى قدمي من في المقام , يقصدون إبراهيم عليه السلام . ولما عرج به صلى الله عليه وسلم إلى سدرة المنتهى ورأى إبراهيم عليه السلام قال : ( ما رأيت أحداً أشبه بصاحبكم منه ولا منه بصاحبكم ) .
المقصود أن مقام إبراهيم حجر وطئ عليه إبراهيم لما أراد أن يبني الكعبة بعد أن ارتفع بنائها بقيت آثار قدميه إلى يومنا هذا , وقد شرع الله الصلاة عند هذا المقام قال تعالى : (( وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى )) سورة البقرة ( 125 ) .
(( فِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ )) ثم قال تعالى : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) دخله عائدة على المسجد أو على مكة عموماً .
(( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) ما المقصود من الآية ؟
واختلف العلماء في معنى قول الله تعالى : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) مكمن الخلاف أنه قد يدخل الإنسان الحرم ويؤذي فقد يأتي الحرم مجرم يخرج خنجر أو مسدس ويستطيع أن يقتل الناس في الحرم وهذا مر عبر التاريخ كله , فالتوفيق ما بين الآية وما بين الواقع مشكلة لأن الله تعالى قال : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) لذلك اختلفت كلمة العلماء في المعنى :
القول الأول : إن هذا خبر عن الماضي بمعنى أن أهل الجاهلية قديماً كانوا يدخلون الحرم فلا يؤذي بعضهم بعضاً لحرمة البيت التي وضعها الله في قلوبهم وهذا معروف وإن كان ليس بصحيح على إطلاقه لأنه قد وقع في الجاهلية أذىً وسط الحرم والنبي صلى الله عليه وسلم أوذي وسط الحرم .
القول الثاني : قول ابن عباس واختاره الأمام ابن جرير الطبري إمام المفسرين وغيره أن الإنسان إذا جنى جناية خارج الحرم ثم دخل استجار بالحرم فإنه لا يقام عليه الحد ولا يقبض عليه ولكن يضيق عليه في المعاملة لا يبتاع معه ولا يشترى ولا يطعم حتى يضطر إلى الخروج فيقام عليه الحد . هذا قول وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله .
القول الثالث : (( وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً )) أي آمناً من عذاب النار أي جعل الحج والعمرة سببان في النجاة من النار .
القول الرابع : وهو اختيار المظفر السمعاني رحمه الله في تفسيره أن المعنى أن الله جل وعلا أمَّن قريش في جاهليتهم لأنهم أهل الحرم قال تعالى : (( أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَماً آمِناً وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ )) سورة العنكبوت ( 67 ) , فلم يكن يؤذون لأنهم أهل حرم الله , وكل من رامهم بأذى قسمه الله كما حصل لإبرهه وجنده , وهذا في ظني أقرب الأقوال إلى الصحة والله تعالى أعلم .
ثم قال الله جل وعلا : (( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) .
اليهود قالت للنبي صلى الله عليه وسلم إنك كنت تصلي إلى بيت المقدس , ومعلوم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصلي إلى بيت المقدس وهو في مكة ويصلي إلى بيت المقدس وهو في المدينة , أما في مكة فكان عليه الصلاة والسلام يجعل الكعبة بينه وبين بيت المقدس يصلي في جهة بحيث تكون الكعبة أمامه وبيت المقدس وراءها ويصبح استقبل بيت المقدس و الكعبة في آن واحد , هذا المشهور عن ابن عباس رضي الله عنه .
لما قدم المدينة هذه ما يمكن أن تجتمع لأن الكعبة في الجنوب وبيت المقدس في الشمال فكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً أو سبعة عشر شهراً كما في رواية البراء بن عازب رضي الله عنه عند البخاري وغيره ثم أنزل الله جل وعلا : (( قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاء فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ )) سورة البقرة ( 144 ) , فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يصلي إلى الكعبة إلى وقتنا هذا .
اليهود قالوا : هذا أكبر دليل أنك مضطرب في عبادتك . فبين الله جل وعلا لهم في جواب قرآني قال تعالى : (( قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ )) سورة البقرة ( 142 ) , كل الجهات ملك لله والله جل وعلا يختص منها ما يشاء ويتعبد عباده بما يريد , حتى لو تعبده كل شهر من جهة هو ربهم وهم عبيده والجهات جهاته والملك ملكه وليس لليهود ولا لغيرهم قول ولا برهان : (( قُل لِّلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ )) .فالله جل وعلا ابتلاءً للناس وتمحيصاً واختباراً أمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يصلي إلى بيت المقدس وهو يعلم جل وعلا أزلاً أنه سينقلهم إلى الكعبة , في هذه الفترة يمحص الله جل وعلا عباده يبتلي خلقه من يثبت ومن لا يثبت كما قال الله جل وعلا : (( وَإِن كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلاَّ عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللّهُ )) سورة البقرة ( 143 ) , أي هذا الأمر عظيم إلا على من يسره الله جل وعلا إليه .
المقصود أن بيت المقدس كان معظماً , مبالغةً في تعظيم الكعبة أمر الله جل وعلا في رده على اليهود أن يكون الحج إلى الكعبة لما كانت الكعبة تفضل على بيت المقدس بوجوه كثيرة كان اختيارها مكان للحج أمر لا مناص منه قال تعالى : (( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ )) " اللام " في (( وَلِلّهِ )) من حيث النحو حرف جر , من حيث المعنى للإيجاب والإلزام . فأوجب الله وألزم عباده حج البيت , ولم يكتف الله باللام بل جاء بحرف " على " , أتى بمؤكدين " اللام و على " وكلاهما تدل على الإيجاب والإلزام . تقول لفلان عندي كذا , على فلان عندي كذا , أي يجب علي له .
كل من استطاع الوصول إلى البيت يجب عليه الحج ومن لم يستطع فقد أعذره الله جل وعلا في كتابه :
(( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) كلمة (( النَّاسِ )) عامة ثم جاء التخصيص (( مَنِ اسْتَطَاعَ )) فمن لم يستطع الوصول إلى البيت سقط عنه فريضة الحج .
الله جلا وعلا لم يحدد كيفية الاستطاعة وهذا من بلاغة القران لأنه لا يمكن عقلاً تحديد الاستطاعة بشي واحد من كل الأزمنة . ومن قال من العلماء رحمهم الله أن الزاد والراحلة فهذا قول مرجوح لا يمكن أن يكون صحيح لأنه قد يقع عارض أشد من الأول . ونأتي بعارض عصري لو أن المرض كفانا الله وإياكم شره المعروف بـ " سارس " انتشر في أمة مسلمة في بلاد ما حتى أهلكهم , ثم رغب أناس من هذه الأمة أن يحجوا إلى البيت يملكون زاداً ويملكون وراحلة .
هل من الحكمة أن يؤذن لهم بالحج ؟ قطعاً لا , لأنه قد يأتي منهم من يحمل المرض فيفتك بالحجاج كلهم . فلذلك من الحكمة منعه والحج يعتبر ساقط عنه ومعذور شرعاً , لأنه لا يستطيع الوصول إلى البيت فيمنع . هذا المنع لا علاقة له لا بالزاد و لا بالراحلة , فتبقى (( مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) كلمة مفتوحة كل من استطاع الوصول إلى البيت يجب عليه الحج ومن لم يستطع فقد أعذره الله جل وعلا في كتابه .
(( وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً )) أي طريقاً .
(( وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ )) هذه (( وَمَن كَفَرَ ))للعلماء فيها ثلاثة أوجه :
الوجه الأول : أن الآية على ظاهرها , والمعنى أن من لن يحج وهو قادر فهو كافر بظاهر الآية وهذا مذهب الحسن البصري رحمه الله ووافقه عليه بعض العلماء .
الوجه الثاني : أن من أنكر فريضة الحج فهو كافر وهو قول ابن عباس رضي الله عنه وعليه جماهير العلماء .
الوجه الثالث : أن الآية جرت مجرى التهديد والتغليظ والوعيد والزجر في بيان أهمية الحج إلى بيت الله وأنه كالكافر وهذا القول اختاره بعض العلماء وهو الذي إليه نميل والله أعلم .
و هذا له قرائن في الكتاب والسنة :
أما في القرآن : قال تعالى : (( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزَآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً )) سورة النساء ( 93 ) , مع اتفاقنا أن هذه الآية تحمل على أنها مبالغة في التهديد وإلا من قتل نفس ومات على التوحيد لا يخلد في النار .
ومن السنة : قال النبي صلى الله عليه وسلم عن ربه عز وجل : ( عبد بادرني بنفسه حرمت عليه الجنة وقاتل نفسه في النار ) وما إلى ذلك مما جاء في قصة الانتحار , والصحيح أن من مات منتحراً ولم يأتي بناقض شرعي ومات على لا إله إلا الله فإنه لا يخلد في النار ويُحمل هذه الأحاديث والآية (( وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً )) النساء (29 ) , وغيرها على المبالغة في التهديد والزجر والوعيد وإلا قاتل نفسه لا يخلد في النار وإنما يسن لإمام المسلمين أو نائبه أن لا يصلي عليه , أما أنه يخلد في النار فلا يخلد في النار لما روى مسلم في الصحيح أن رجل من الصحابة اشتد عليه مرض ما فعمد إلى عروقه فقطعها فسال الدم فلما سال الدم أخذ ينزف حتى مات فرءاه ابن عم له في المنام وعليه ثياب بيض و قد غلت يداه أي أحكمت , قال : ما صنع بك ربك ؟ قال : عفا عني . قال : فما بال يديك ؟ قال : إن الله قال لي : (( إننا لا نصلح منك ما أفسدته من نفسك )) ـ لأنه قطع يديه ـ بعد ذلك الرجل لما استيقظ قص الرؤيا على الرسول عليه الصلاة و السلام فقال النبي عليه الصلاة والسلام : ( اللهم وليديه فاغفر , اللهم و ليديه فاغفر , اللهم وليديه فاغفر ) قالها ثلاثاً . قال النووي رحمه الله في شرح مسلم وغيره من العلماء في الآية دليل واضح على أن قاتل نفسه لا يخلد في النار .
لكن هذا يخاطب به طلبة العلم فقط ولا يقال للعامة حتى لا يستهينوا بقتل النفس لا بقتل غيرهم ولا قتل أنفسهم .
طالب العلم والتفريق في الخطاب :
وطالب العلم ينبغي أن يفرق بين الخطاب إلى العامة و الخطاب إلى طلبة العلم , وبيان الحكم الشرعي غير الوعظ , ولذلك عندما تقرأ في كتب ابن قدامه رحمه الله أو غيره من أئمة الدين الفقهاء لا يتكلمون مع بعضهم بـ " اتقي الله , وخاف الله , واخش الله " هذا كلام وعظ ليس له علاقة بالأحكام الشرعية . وعندما يتكلم بالوعظ لا يتكلم عن تفسيرات اختلافات العلماء .
يعني ما يأتي إنسان مثلاً في مسألة يخالف فيها آخر ويقول : " اتق الله خاف الله كيف تقول بهذا " الكلام العلمي أنت تقول له : " اتق الله " هو لم يتق الله ما يقول هذا الكلام لأنه يعتقد أنه صحيح , فلأنه يتق الله يقول هذا الكلام لا علاقة له بالتخويف من الآخر لأنه يعتقد أن هذا صحيح فهو يقوله لأنه يتقي الله فما في مجال لكلمة اتقي الله وخاف الله , لكن في إنسان يعلم شيء أنه معصية تقول له اتقي الله لأنه يعلم أنه معصية ويعصي الله جل وعلا , يعني مثلاً : " بسم الله الرحمن الرحيم " قلنا في درس سابق أنه يوجد اختلاف بين العلماء هل هي آية من الفاتحة أو ليست بآية ما تأتي لإنسان يعتقد أنها ليست بآية وتقول له اتق الله وخاف الله خاف عذاب النار قول : " بسم الله الرحمن الرحيم " , هو لأنه يخاف الله لم يقولها لأنه لا يعتقد أنها آية والعكس . هذا أهم شئ تفهمه في قضية النزاع العلمي . ولذلك أنت اقرأ مناضرات العلماء كلام ابن قدامه وغيرهم من أئمة العلم في كتب الفقهاء وغيرهم لا تجد فيها الأسلوب الوعظي ولا ذكر الجنة والنار لأن كل فريق يعتقد صحة ما يقوله , إنما يبنى الكلام على الأدلة . كلٌ يحاج الآخر بالأدلة .ولذلك يشتهر ما بين صغار طلبة العلم تقول له ما رأيك في أبو فلان ؟ يقول لك هذا ما يخاف الله . لماذا لا يخاف الله يفتي بكذا وكذا ويقول بكذا , هذا ليس بكلام رجل عاقل لأنه هو يخاف الله يقول ما يعتقده . وهذه أهم ما في الدرس وإلا لو طبقت هذا الكلام الذي يتناقله اليوم البعض لو طبق على الصحابة لهلكنا جميعاً , فإن الصحابة رضي الله عنهم كانوا يتبادلون الرأي ويقول كل منهم بقول , لا يأتي إنسان لآخر ويقول له اتقي الله لأن كلاً منهم يقول ما يعتقد أنه صواب , لكن كل منهم يقارع الآخر بالحجة وبالنظر وبالدليل ثم إذا المسألة استبانت لك لم تكن لتستبين لأخيك والعكس صحيح .
هذا ما تيسر إيراده والفضل لله في أوله و آخره , سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين
توقيع : صريح للغاية | ولقد دعتني للخلاف عشيرتي.. ... ..فعددت قولهم من الإضلال
إني امرؤٌ فيَّ الوفـــــاء سجيـة.. ... .وفعــال كل مهـذب مفضـال
| |
| |