06-05-2007, 01:24 AM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Jan 2006 | العضوية: | 7 | المشاركات: | 1,814 [+] | بمعدل : | 0.26 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الحكواتي بقايا إنسان مقعد خشبي أندلسي الصنع ، كتب مكدسة ، تراب يغطي المكان ، شعاع من نور الصباح يتسلل رغم أنف الستارة ، فنجان قهوة لم ينتهي وبقايا طعام إفطار ،
يد لرجل تمتد لالتقاط الفنجان ورغم الصبا فيها إلا أنها ترتعش قليلاً
تمتد إلى الفنجان وترفعه فيظهر وجه لرجل في مقتبل العمر ضاعت معاني الشباب وراء ذبول في العينين ولحية طويلة وشارب غير مهذب وتجاعيد في البشرة جاءت قبل الأوان بأوان .
دق الباب فعلم أن الجريدة قد جاءت ، نهض يستقبل أنيسه وزائره اليومي فتح الباب فإذا باسم الجريدة يلفت انتباهه ( الحياة )
كيف لبائع الجرائد أن يخطيء؟؟ إنني منذ أمد أقرأ جريدة ( اليوم )
حملها عازماً علي تعنيف موزع الجرائد في الصباح التالي .
وما أن جلس في مقعده اشتد ذهوله .. إن الجريدة تحمل تاريخ الغد..
تجهم قليلاً ثم فتح التلفاز فإذا بالتلفاز يؤكد صحة معلوماته معلناً عن مباراة هامة سوف يكون موعدها في المساء تناول سريعاً صفحة الرياضة فإذا بها قد جاءت بتفاصيل المباراة ونتيجتها . بينما يقلب بكل الذهول والتعجب صفحات الجريدة
تساءل أي دار للنشر تصدر عنها هذه الجريدة
وقرأ الإجابة بعينيه ( دار السماء للطبع والتوزيع )
تناول الهاتف واتصل بموزع الجرائد فأخبره أنه لم يرسل الجريدة بعد .
راح يقلب وريقات الجريدة ملتهماً أخبارها .
ها هو خبر سقوط الطائرة المصرية يتصدر صفحة الحوادث .فالتقط سماعة الهاتف ثانية واتصل بالمطار على عجالة وسألهم عن تفاصيل الرحلة
فأخبروه أن تلك الرحلة موعدها بعد ساعات وأنه إذا كان أحد ركابها فعليه الحضور قبل موعد الإقلاع بساعتين .
ودون أدنى مقدمات أخبر الرجل أن هذه الطائرة سوف تسقط فاتهمه الرجل بالجنون وأغلق الهاتف في وجه .
بعدها أخذت الجريدة اهتماماً فوق العادة ، وكيف لا وهي تحمل بين طياتها ما سيحدث مستقبلاً .
راح ينظر فيها بلهفة تفوق حد الشغف ويقرأ أخبارها بوجوم وتأمل غير مسبقين فجأة توقفت عيناه عند صورة وخبر وكادت دقات قلبه هي الأخرى أن تقف . إنها صورته وإعلان عن خبر وفاته في حادث.
تجمد في مقعده يا لهول ما أقرأ . ما هذا العبث ...
نظر بعينيه إلي أصابعه فوجدها ترتعش بشدة فراح يطمئنها .
لن أخرج من منزلي لن أتحرك فلن تأتيني سيارة إلى هنا حتى تقتلني .
قالها بصوت فزع ونبرات مضطربة ثم ظل متجمداً في مقعده ينظر إلي الصورة والخبر في وجوم تام ، دقائق عدة الصمت فيها يخيم على الغرفة وألوف الصور تتحرك في مخيلته
(( الحياة – طائرة – مباراة – حادثة – دار السماء... ))
فجأة جاء صوته يبدد فزع السكون
لا راد لما كتب في هذه الجريدة نعم سأموت مهما فعلت سأموت . وأينما اختبأت سأموت قالها بإيمان جلي وصوت خاشع لإرادة الخبر..
ولكن كيف أموت ولم يزل لي بقايا في أكثر من مكان.. أحلام وأمنيات ضاعت كيف لي أن اموت دونها .
هب من مقعده يحمل بين طياته املاً في استرجاع ما له بين الطرقات والقلوب والمساكن . هذب من شاربه ولم يمس لحيته . ثم طوى الجريدة في يديه بعدها أسرع الخطى إلي الشارع متسائلاً في نفسه
يا هل تري سأستطيع جمع أشيائي قبل أن أموت. ..لم يعد هناك مفر سأجمع ما لي فيها ولو ليوم واحد
سأحصد دقات قلبي التي تناثرت هنا وهناك وسأجمع حنيني من بين الدروب والطرقات وسأعيد تكوين نفسي التي تناثرت بين هم وشجن وحزن وخوف ولا مبالاة .
أسرع الخطوات إلى بيت صديقه حيث ترك عنده أحلام الصبا وصداقة ضاعت مع الأيام . وصل إلى بيته ثم راح يطرق الباب ... طرقات تلو الطرقات ..وما من مجيب
هنا ارتسمت سحابة من الدموع غطت سماء عينيه ولكن جفنيه لما يأذنا لدمعة واحدة أن تسقط , تعالى صوت ندائه على صديقه أكثر وأكثر فجاء صدى ندائه يخبره أنه لا أحد
سحقا لصديقي وسحقا لعشرتي وسحقا لأحلام الصبا ... إذاً سأذهب إلى أخي هو كل ما تبقي لي في هذه الدنيا من أهلي
ذهب فإذا بالمسكن قد سكنه آخرون .. سألهم فلم يجد لديهم علماً أين رحل أخيه ،
هنا سالت أولى دمعاته مسحها سريعا محدثاً أخيه الغائب
كيف داستنا أقدام الحياة يا أخي فقطعت صلة الرحم بيننا..
هل كان ميراث أبينا هو ما يربطنا وما أن وزع الميراث ضعت عني وضعت عنك ، تواريت أنا خلف الكتب محطماً بعد قصة حب فاشلة وأنت أخذتك الأيام بعيدا بعيدا ولكن إلى أين ...؟؟؟
أخذته خطواته الباحثة عن أحلامه إلى حي قديم لطالما عزفت أقدامه لحن أحلام الشباب على أرصفته ، وبين خطوةٍ وأخرى يفتح صفحة الجريدة ويطالع الخبر ودار النشر ، قصد استراحة كان يجتمع فيها مع زملائه وأقرانه ولكن يا ليته لم يجد فيها أحداً بل إنه لم يجدها هي كلية ً
وجد الحي القديم قد ارتدى ثوباً غير الثوب مباني غير المباني وحياة غير الحياة
أدرك عندها أن الحياة ضاعت من بين يديه لم يأخذ منها شيئاً... ارتعشت شفتاه تأذن لدمعة أخرى أن تسيل ولكنها كانت اشد ألماً
هنا قفزت صورة حبيبته أمام عينيه... أكثر أحلامه فرحاً وبهجة وأيضا أكثر أيامه ألماً وحزناً.
كيف لي أن ابحث عن أحلامي معها وقد ضاعت كل الأحلام بيديها يوم أن اختارت هي غيري.
هنا جاءت كلماتها في أذنيه
(( حبيبي أنا إلى جوارك وإن تخلت الدنيا كلها عنك ستجدني أنا إلى جوارك ))
سار إلى حيث كان يلقاها نظر إلى الطرقات صارخاً في صمت ..
لي عندك ألف خطوة شوق وألف كلمة حب وألف عهد ووعد لم يصان .. أرجعي لي سنين عمري أعيدي لي ما أخذتيه مني
فلم تجبه الطرقات فلن تكون أكثر عطفاً من أخ أخذته الأيام أو صديق ضاع بين زحام البشر..
هنا جاء صوت حبيبته من جديد
(( أنا آسفة لن تستطيع أن تأتي لتطلب يدي إذ أن أبي قد قرأ الفاتحة بالأمس مع صاحب الشركة التي يعمل بها ))
سحقا لكِ وسحقا لأبيكِ وسحقا لصاحب الشركة وسحقا لي يوم أن أحببتك
وسحقا لزملائي وأقراني وسحقا لأخي ولصديقي وسحقا لأحلامي سحقا لكم جميعاً
... يا لقسوة القلوب .. كيف تأخذون مني أيامي وأحلامي وترفضون حتى أن تردوا لي بقاياها
فاضت عيناه بالبكاء متسائلاً
هل سأموت هكذا هباء ضاعت أحلامي وضاعت أيامي وضاعت الأماني كلها هباء
فجأة جاء صوت صارخ من خلف دموعه
كيف يكون كل اهتمامك أن تجمع ما لكَ في هذه الحياة ..
لم ذهبت تبحث عن أحلامك وأمانيك وحقوقك ؟ لم لم تذهب لتعطي حقوق الغير وأحلامهم التي ضاعت بيديك ؟؟
كيف ترى أن الحياة ضاعت دون أن تأخذ منها شيئاً أو تأخذ منها أحداً ؟ كيف لا تراها ضاعت دون أن تعطي فيها شيء أو تكون يوما لغيرك ؟؟
لم يغير أخيك مسكنه وحده ,, سابقاً غيرت أنت مسكنك مرتين ولم تخبر أحداً
حتى رقم هاتفك غيرته ولم تخبر احداً , كم من رسالة وصلتك من صديق ولم تقم بالرد عليها ؟
الآن عرفت قدماك معنى أحلام الطرق الآن عرفت يداك معنى طرقات أبواب الأحبة
هنا سقطت روحه حزناً وإن ظل جسده صامداً رغم الهوان ، ارتمى على مقعد في الطريق بينما دموعه لم تكترث لنظرات المارة وراح جفناه يمطران طعم الحرقة والمرارة حقاً .. لم يمسح دموعه بل تركها إلى أن وصلت شفتيه فتذوقها فإذا مرارة الدنيا كلها قد اجتمعت في كل دمعة
أغمض عينيه فإذا به يسمع أصوات طرقات على بابه القديم وصوت صديقه يناديه
ولكن ما من مجيب فقد كان هو ماكثاً بين الكتب في مسكن أخر
يفتح عينيه فيرى بين غشاوة الدموع خطوات لرجل هو أخيه وجهه يتصبب عرقاً من صعود درج السلم ورغم التعب كان ينادي
افتح الباب يا أخي ... ولكن أيضا ما من مجيب .
ثم يأتي صوت الطرقات باكياً على حالته
من يدريك أننا لم نرد لك أحلامك ووعودك وعهودك يوم أن حملناها إلى بيتك باكية فلم تجدك ، يوم أن اتصلـَت بك ألف مرة تشرح لك كيف كانت مرغمة وقد استطاعت أن تتحدى الجميع من أجلك ولكن ويا للأسف ألقيت أنت هاتفك في النيل فغرقت أحلام الآخرين فيك يوم أن غرقت أسماؤهم وأرقام هواتفهم .
هنا صمت كل حديث وتوارت كل الكلمات إذ جاء صوت الآذان يعلن
( حي على الصلاة )
ارتعشت أوصاله بشدة وعنف ..
يا ويلي هذا أيضا نسيته وضيعت نداءه سنين وسنين ... يا لقبحي .. يا لندم ٍ لن يفيد ثم رفع عينيه الباكية إلى السماء ( رباه هل من عوده )
قام دون أن يمسح دموعه قاصداً المسجد الموجود في الجهة الأخرى من الشارع وبينما يعبر الطريق تسمرت قدماه في وسط الطريق إذ كان يرى حبيبته وصديقه وأخاه وكل رفاقه عند باب المسجد يبتسمون له
فإذا بعربة مسرعة تصدم به فتطير الجريدة من يديه في الهواء بينما يسقط جسده في طريق عربة أخرى تدهسه بلا رحمة فتجعل منه أشلاء .
توقف المرور وجمعت أشلاؤه على جانب الطريق مغطاة بأوراق جريدة ربما ضاعت كل أخبارها حين غطاها لون الدماء ولكن ظل فقط عنوانها بارزاً
( جريدة الحياة )
وما هي إلا ساعات حتى طبع الخبر في صحيفة اليوم ، ورغم أن جميع أشلائه قد جمعت معه ولكن طبع الخبر على هذا النحو
( مقتل شاب في حادث دون العثور على بقاياه )
|
| |