03-08-2006, 03:14 AM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | صاحبة الموقع | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Jan 2006 | العضوية: | 3 | المشاركات: | 5,550 [+] | بمعدل : | 0.80 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
المكتبة الهاشمية دور الخطابة في تحصين المجتمع و تعزيز روح التعاون و دور الخطابة و الوعظ في تحصين المجتمع و تعزيز روح التعاون و التكافل و رص الصفوف
بقلم
د. رياض الأسطل
رئيس قسم التاريخ بجامعة الأزهر
مقدمة:
وحدة المجتمع و الأمة فريضة إسلامية ، و حاجة نضالية ، و مدخل من مداخل السلم الاجتماعي ، و من ثم ، فهي قيمة و فريضة إسلامية ، و هي ضرورة حتمية ، تفرضها الظروف السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية . و قد تجلت هذه القيمة و تلك الفريضة و الضرورة في قوله تعالى : ﴿ وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون﴾ ( ' [1] ) . ، و في قوله سبحانه : ﴿ وإن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاتقون ﴾ ( ' [2] ) . و قد حث جل و علا عباده ، على التمسك بهذه الوحدة و الاعتصام بها في مواجهة كل الأخطار و العواصف العاتية ، في قوله تعالى : ﴿ واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا ﴾ ( ' [3] ) .
و لكي تتحقق وحدة المجتمع الفلسطيني ، و يسده الأمن و السلم الاجتماعي ، لا بد له من الحرص على التعاون و التكافل ، في شتى مناحي الحياة ، تطبيقاً لأمره تعالى : ﴿ و تعاونوا على البر و التقوى ﴾ ( ' [4] ) ، و للتوجيه النبوي الكريم ، في مثل هذه الأحاديث : { ما آمن بي من بات شبعاناً و جاره إلى جانبه جائع ، و هو يعلم } ، و { من كان عنده فضل زاد فليعد به على من لا زاد له ، و من كان عنده فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له } .
و لكي يؤدي الوعظ و الإرشاد و التوجيه الدعوي الإسلامي دوره ، في هذا الباب ، ينبغي على علماء الأمة أن يتعاملوا مع هذا الملف الحيوي لمصلحة الأمة في وقتها الراهن ، و في كل وقت ، بوعي متميز ، و بآليات دعوية فريدة ، و بعمل دؤوب يتناسب مع الرد المطلوب على التحديات الكبرى التي تفرضها ظروف الاحتلال ، و سبل المواجهة ، و الرغبة الصادقة في تحقيق السلام القائم على العدل ، دون التخلي عن عزة المسلم ، و دون المساس بالحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ، و دون الاستسلام للإحباط الذي يطل برأسه كلما بالغ الجانب الإسرائيلي في تعنته ، و تحديه لإرادة المجتمع الدولي ، و للدعوات الصادقة للسلام ، تحقيقاً لقوله تعالى : ﴿ و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن كنتم مؤمنين ﴾ ( ' [5] ) . ومن هنا وجبَ علينا أن نقف على الظروف و العوامل ، التي تعزز الحاجة للتكاتف و التعاون و الوحدة ، و رص الصفوف .
العوامل التي تعزز الحاجة إلى التكاتف و التكافل و الوحدة و رص الصفوف :
يمر المجتمع الفلسطيني بظروفٍ و تحديات خاصة ، بالغة التهديد و الخطورة ، تفرض على الخطباء و الوعاظ أن يلبوا هذه الخصوصية ، و أن ينهضوا بالمسؤوليات الدينية و الوطنية الملقاة على عواتقهم تجاهها . و لكي يتحقق ذلك لا بد من تشخيص هذه التحديات ، و الوقوف على تلك الظروف ، و التي يمكن أن نجملها على النحو التالي :
· أننا نعاني من التعنت الإسرائيلي ، و ما يصاحبه من ممارسات عدوانية على الأراضي الفلسطينية ، و منها ملاحقات و اجتياحات ، و إغلاقات المتكررة ، ناهيك عن رفض الجانب الإسرائيلي للإفراج عن الأسرى و المعتقلين ، و اتباعه سياسة الأرض المحروقة التي تقتل البشر ، و تقتلع الشجر و تهدم الحجر ، فتدمر المصانع ، و المدارس و البيوت ، و تخرب المزارع والمتاجر و سائر مؤسسات المجتمع المدني ،و تسد على الشعب الفلسطيني منافذ النور و الحرية ، و تغلق في وجهه كل آفاق و احتمالات السلام القائم على العدل ، و كل ذلك يفرض علينا أن نعمل على رص الصفوف ، و توحيد الجبهة الداخلية ، و رفع الروح النضالية ، القائمة على الوعي السياسي بطبيعة المرحلة ، و بمعطيات المناخ الإقليمي و الدولي ، و بحاجات النضال الفلسطيني ، التي تتعامل مع ظاهرة المقاومة باعتبارها دواء لشر الأدواء ، و ينبغي أن تكون جرعاتها بقدر الحاجة إلى درئه و إفشال مخططاته ، على أن ترتبط بآليات التنفيذ ، و بالرؤية السياسية المصاحبة ، و المتسقة مع المشوار و المشروع النضالي الوطني الفلسطيني ، القائم على التكاتف و التعاون و الوحدة .
· أن السياسات الإسرائيلية ، و على رأسها سياسة الوقيعة و الدس و اتباع حرب الشائعات ، تهدف إلى الوقيعة بين أبناء الشعب الفلسطيني ، و زجهم في صراعات جانبية و هامشية ، و محاولة دفعهم إلى المواجهة الداخلية و الصراعات البينيَّة ، في ظل مخاطر الحرب الأهلية ، و ذلك حين تصر على تصفية بعض تنظيمات المقاومة الفلسطينية ، و على وصمها بسمة الإرهاب ، و حين تصر على ضرورة القبض على بعض ناشطيها ، و على جمع سلاحهم المقاوم ، دون أن تقدم أو تفي بأي من الاستحقاقات المترتبة عليها . و من الجدير بالذكر أن الجانب الإسرائيلي يلجأ إلى إثارة البلبلة و الإشاعات الكاذبة و المغرضة ، حول كثير من الأمور التي تتعلق بالأداء الفلسطيني عامة ، و بأداء بعض العناصر القيادية ، على وجه الخصوص ؛ لأهداف لا علاقة لها بالمصلحة الوطنية الفلسطينية ، و لا علاقة لها لا بالديمقراطية المزعومة ، و لا بالشفافية السياسية ، و لا بالحرص على مصالح الشعب الفلسطيني ، لأنها سلوك سياسي مرتبط بسعي إسرائيل الدائب لتحقيق أهدافها الاحتلالية ، و على رأسها زعزعة المجتمع الفلسطيني ، و القضاء على أية محاولة لتطوير نضاله و تقريبه من أهدافه و استحقاقاته و ثوابته الوطنية المشروعة . و مثل إسرائيل في مثل هذه المواقف ﴿ كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر ، فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين ﴾ ( ' [6] ) .
· أن مسيرتنا النضالية تعتمد مبدأ التعدد التنظيمي ، في الوقت الذي تميل فيه بعض التنظيمات إلى طرح نفسها ، باعتبارها بديلاً وطنياً على نحو يقيني ، يقصي الآخر الفلسطيني ، و يتحدى وجوده التنظيمي ، في الوقت الذي يفترض فيه أن تكمل التنظيمات الفلسطينية بعضها ، و أن تتنافس في العطاء الوطني و النضالي و الديني ، لا أن تجعل الأولويات الحزبية مقدمة على الأولويات الوطنية . فالشعب الفلسطيني أكثر ما يكون حاجة إلى رص الصفوف ، و جمع الكلمة ، و إلى التخندق في خندق واحد ، في مواجهة هجمة عدوانية إسرائيلية شرسة لا تميز بين فلسطيني و آخر ، و لا بين مناضل و آخر ، و لا حتى بين سياسي و آخر !.
· أننا نعيش مناخ الانفتاح القسري ، على الثقافات و القيم الأجنبية التي تغاير القيم الحضارية الإسلامية ، و تتحدى كل قيم و ثقافات المجتمع الفلسطيني ، فالفضائيات الدولية ، و عوالم المرئيات الرقمية ، و عوالم شبكة المعلومات الدولية ( الانترنت ) ، و ما تفرضه من حريات ثقافية و معلوماتية و قيمية غير خاضعة لأية رقابة ، و غير محكومة بأي قانون تقدم كمّاً هائلاً من القيم و المفاهيم و التصورات و الممارسات التي تخلط الحابل بالنابل و الغث بالسمين ، و تعمل على تذويب الخصوصيات الثقافية و الحضارية و الدينية ، على نحو لم يكن متوقعاً من قبل ، و بطريقة تحقق أهداف دعاة العولمة ، و قادة النظام العالمي الجديد ، على نحو غير مسبوق !. و أخطر ما في هذا الفضاء الإعلامي أنه وضع أبناء المجتمع الفلسطيني أمام تحديات اختلاط القيم و المفاهيم ، و أمام الإباحية الجنسية ، على المستوى الإعلامي ، على أقل تقدير ، كما قدم أمام أبناء الشعب الفلسطيني عشرات النماذج السيئة و المسيئة للإسلام و المسلمين ، و على مختلف الصعد السياسية و الاجتماعية و الأخلاقية ، و جمل في عيونهم الركون إلى معطيات الحضارة الوافدة بعجرها و بجرها و خيرها و شرها ، و عليلها و سقيمها و فاسدها و طالحها ! . و قد أدى كل ذلك إلى تصادم ثقافي و قيمي بين الموروث الديني و الحضاري و الأخلاقي ، و بين القيم المستوردة التي دفعت كثيراً من شبابنا ، إلى التمزق بين تجاذبات الأصالة ، و مغريات القيم المستوردة ، الرخيصة ، و التي تفتح أمامهم آفاق المتع الزائلة ، و الشهوات المحرمة . و في كل هذا خسارة و تدمير للبنية التحتية للقيم الاجتماعية و الأخلاقية و النضالية ، التي ينبغي أن يتخلى بها أبناء هذا الشعب ، الذي لا زال بحاجة ماسة إلى مواصلة مشواره التحرري و الصراعي الطويل ، و متعدد الجوانب السياسية و الاقتصادية و القيمية و الثقافية ، بل الحضارية على وجه العموم .
· أن الأزمة الاقتصادية الناتجة عن تفشي البطالة ، و تعطل أو تراجع قطاعات اقتصادية مهمة ، كالقطاع الصناعي ، و قطاع التجارة الدولية ، و القطاع الزراعي . . .إلخ ـ قد أدت إلى انتشار عدد من الحالات الاجتماعية الاستثنائية التي تفتت وحدة المجتمع الفلسطيني ، و تحد من قدرته على الصمود . فقد كثرت حالات الطلاق ، و ما يصاحبها من تنازع و تباغض أسري ، و ظهرت ـ لأول مرة ـ حالات الزواج العرفي ، و العلاقات المحرمة ، وكثرت حالات التعدي و الفوضى ، على نحو فاجع ، كما كثرت حالات الإفلاس المؤسساتي ، و ما صاحبها من المنازعات الاقتصادية ، و تراكم المديونية ، و تفشي ظاهرة الشيكات التي لا تملك رصيداً . . إلخ . و قد أدى كل ذلك إلى تفكك المجتمع الفلسطيني ، و عزز الحاجة إلى تحصينه ضد الحاجة و الفقر و تدني مستوى الدخل . و مهما يكن من أمر ، فإن هذه الإشكالية ، تفرض علينا ـ معاشر الخطباء و الوعاظ ـ أن نولي قيم التعاون و التكافل الاجتماعي و الوحدة أهمية خاصة ، و مكانة متميزة ، في أنشطتنا الدعوية .
· أن لدينا بعض الممارسات القائمة على المحسوبية ، و ما أدت إليه من اهتزاز العلاقة بين الحاكم و المحكوم ، و إلى نفور بعض العامة من مؤسستهم الوطنية الحاكمة ، مع أنها مؤسسة نضالية ـ ابتداء ـ و لا ينبغي لها أن تخسر قاعدتها الجماهيرية ، و لا شفافيتها السياسية و النضالية . و مهما يكن من أمر ، فإن وجود مثل هذه الحالة يعزز دور الوعظ و الإرشاد ، في إطار تحصين المجتمع في مواجهة تهديدات الفرقة و الاختلاف المفضي إلى الخلاف و التنافر .
أن ظاهرة العنف الأسري ، و المجتمعي ، و كثرة الصراعات العائلية ، و التعديات الشخصية قد شرعت في إعادة الانتشار . و قد صاحب هذه المظاهر نزوع و تعصب قبلي واضح ، رد بعض فئات المجتمع الفلسطيني إلى بعض وهاد الجاهلية ، التي تنتصر للقبيلة ، حتى لو كان ذلك في مواجهة الدين و العقيدة . و قد تعددت أبعاد هذه الظاهرة ، بالعودة للعرف القبلي ، و الارتكاس في عادات الثأر الجاهلي ، و رفض الاحتكام إلى قيم الإسلام ، بدعوى أنها لا تلبي مطالب المصالحة الكريمة ! . و مما يضاعف من خطورة هذه الظاهرة أنها تستخدم وسائل و معدات قتالية ، متطورة أو خطرة ، لم تكن موفرة ، و منتشرة من قبل ! . و من الجدير بالذكر أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد حذر أمته من هذا الداء ، فقد روى الزبير بن العوام ـ رضي الله عنه ـ فقال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: { دب إليكم داء الأمم قبلكم، الحسد والبغضاء، هي الحالقة، حالقة الدين لا حالقة الشعر، والذي نفس محمد بيده لا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم؟ أفشوا السلام بينكم } ( ' [7] ) .
· و لعل الوقوف على هذه الظاهرة ( السابقة ) يدفعنا للوقوف على ظاهرة أخرى مصاحبة هي ظاهرة الفلتان الأمني ، و انتشار السلاح غير المرخص ، و الذي تتهاون بعض التنظيمات و القوى السياسية ، في نشره بين الشباب ، بحجة التحفيز على المقاومة . و مهما يكن من أمر ، فإن انتشار ظاهرة فوضى السلاح ، و قدرة بعض المسلحين على التهرب من المسؤولية القانونية أو الاجتماعية و الأخلاقية ، تفرض على الوعاظ أن يتصدوا لهذه الظاهرة ، و أن يحذروا من مخاطرها الدينية و المجتمعية ، و من تهديدها لحياة الناس و مستقبلهم الدنيوي والديني ( الأخروي ) ! . و من الجدير بالذكر أن النصوص الدينية تحارب هذه الظاهرة حرباً لا هوادة فيها ، فقد روى أبو هريرة ـ رضي الله عنه ـ عن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ، فقال: { من أشار على أخيه بحديدة لعنته الملائكة} ( ' [8] ) .وعن أبي موسى ، رضي الله عنه ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: { إذا مر أحدكم في مجلس أو سوق ، وبيده نبل ، فليأخذ بنصالها ، ثم ليأخذ بنصالها ، ثم ليأخذ بنصالها) وفي رواية: (فليمسك على نصالها بكفه ، أن يصيب أحداً من المسلمين منها بشيء } ( ' [9] ) .
أن الشعور العام بالإحباط و خيبة الأمل ، بسبب تراجع دور المؤسسات الإقليمية و الدولية ، و تخليها الجزئي عن دعم الحق الفلسطيني ، و بسبب زيادة الإرهاب الذي تمارسه المؤسسات العسكرية الإسرائيلية ، قد نال بعض أبناء الشعب الفلسطيني بشيء من التعب و الإرهاق ، و اللامبالاة ، و دفعهم إلى التهاون في مسؤولياتهم الوطنية و الدينية ، بدعوى أنه لا جدوى من مواصلة الحالة النضالية ، في ظل التفوق الإسرائيلي و الدعم الأمريكي للجانب المعتدي ، و تخاذل بعض الأشقاء عن الوفاء بالتزاماتهم ، و النهوض بالواجبات الملقاة على عواتقهم . و كل ذلك يقتضي منا أن نقف عند مسؤولياتنا ، و أن نعزز مظاهر التكاتف و الوحدة و رص الصفوف انطلاقاً من قوله تعالى : ﴿ كل يوم هو في شأن ﴾ ( ' [10] ) ، و قوله تعالى : ﴿ إن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا ﴾ ( ' [11] ) ، و قوله تعالى : ﴿ يا أيها الذين آمنوا لا تقنطوا من رحمة الله ﴾ ( ' [12] ) ، و قوله تعالى : ﴿ و من يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ﴾ ( ' [13] ) .. إلخ.
· أننا نتعرض لتشويه متعمد لسيرتنا النضالية ، و لأدائنا السياسي ، بحق و بغير وجه حق ، فمن تهم الفساد الإداري و المالي ـ على سبيل التعميم ، إلى تهم ممارسة الإرهاب ، إلى تهم عدم التحلي بالمسؤولية ، إلى تهم غياب الرغبة في السلام . . إلخ . و كل ذلك مما يقتضي منا وقفة جادة لمواجهة هذه التهم برص الصفوف ، و تصحيح المسارات ، و التحذير من مخاطر بعض الممارسات التي تعطي الأغيار فرصة وصم نضالنا بالفساد ، و قضيتنا بعدم الجدية ، و بالسقوط في حجر بعض المنتفعين ! . و من الأمور التي لا ينبغي إغفالها ما برز على السطح مؤخراً من حركات مقاومة تتشح بوشاح الإسلام ، و تمارس عدداً من القيم التي لا تتفق مع روحه العامة و جوهره العظيم ، فيما يتعلق بالتعامل مع الأسرى ، و مع المدنيين ، حيث أعطت هذه الممارسات الفرصة لأعدائنا لكي يربطوا بين ممارساتنا النضالية و بين ممارسة هؤلاء و أولئك ، و لأن يضعونا معهم في سلة واحدة ، و أمام الآلة الدولية الساعية لمكافحة الإرهاب المزعوم ، و لو عن طريق ممارسة دفع الإرهاب بمضاعفة جرعات الإرهاب ، و على يد الدول الكبرى ، في مواجهة بعض الجماعات المنتشرة هنا أو هناك ! .
· أن وجود بعض حالات العمالة ، و تعدد مناهج و أساليب التعامل مع العملاء و مع أسرهم ، قد أثر على وحدة الصف الفلسطيني سلباً ، و أدى إلى شعور بعض الأسر ـ القليلة ـ بتنكر المجتمع لها ، و أخذه لها بجريرة غيرها ، و على نحو مخالف للحق و العدل و الدين ، و الذي يحدد المسؤوليات بحدود أصحابها ، فلا ينقل الخطيئة و لا يورثها ، و لا يأخذ بها غير أصحابها ، فلا يحاسب الابن بجريرة أبيه ، و لا الأب أو الأخ بسلوك ابنه أو أخيه . فقد قال تعالى : ﴿ كل نفس بما كسبت رهينة ﴾ ( ' [14] ) ، و قال سبحانه : ﴿ لها ما كسبت و عليها ما اكتسبت ﴾ ( ' [15] ) ، و قوله تعالى : ﴿ و لا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ ( ' [16] ) .
القيم التي ينبغي التركيز عليها لتحقيق هذا الهدف :
و يجب علينا ـ لكي نتصدى للمظاهر و الظروف السابقة ـ أن نسلك عدداً من المسالك الدعوية التي تحارب تلك الظواهر و تحد من تأثيرها ، و تعزز من وحدة المجتمع الفلسطيني ، و ترفع من روح التعاون النضالي بين أبنائه . و يمكن للخطباء و الوعاظ و الدعاة أن يحققوا ذلك بالتركيز على عدد من القيم و المبادئ و المثل العليا ، و منها :
الحث على المودة والرحمة ؛ تحقيقاً ، لقول المصطفى ـ صلى الله عليه و سلم : { مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم كمثل الجسد الواحد . إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر و الحمى } . ، و تحقيقاً للتوصيف الرباني للمجتمع المسلم : ﴿ محمد رسول الله و الذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم ﴾ ( ' [17] ) ، و لقوله تعالى ﴿ فبما رحمة من الله لنت لهم ، و لو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك ﴾ ( ' [18] ) .
تنمية روح التعاون بين أبناء المجتمع الفلسطيني تحقيقاً لأمره سبحانه : ﴿ و تعاونوا على البر و التقوى ، و لا تعاونوا على الإثم و العدوان ﴾ ( ' [19] ) .
تعزيز قيم الصفح و التسامح ؛ تحقيقاً لقوله تعالى : ﴿ و ليعفوا و ليصفحوا ألا تحبون أن يغفر الله لكم ﴾ ( ' [20] ) ، و لحديث المصطفى ، صلى الله عليه و سلم : { إن الله يحب أحدكم أن يكون سمحاً إذا باع و إذا اشترى و إذا اقتضى } .
غرس روح الأمل و بيان إنه يكون للعسر ـ بكرم الله و رحمته ـ ما يناسبه و يخففه من اليسر ، فـ ﴿ إن مع العسر يسرا . إن مع العسر يسرا ﴾ .
بيان موقف الإسلام من قيم أساسية كالمقاومة و الجهاد و حقوق الإنسان و احترام الإسلام لكرامته ، حتى في أحلك الحالات عسرة و تعقيداً . و نفي تهمة الإرهاب عن الإسلام و المسلمين ، من خلال الدلالات الإنسانية الواضحة لمفهوم الإرهاب في الإسلام ، باعتباره من أسلحة الردع ، و الانتصار على الأعداء بالرعب ، و توازن القوى ، و ليس من أسلحة الفتك و الدمار الشامل و المساس بالمدنيين ، تطبيقاً لقوله تعالى : ﴿ و أعدوا لهم ما استطعتم من قوة و من رباط الخيل ، ترهبون به عدو الله و عدوكم ﴾ ( ' [21] ) ، حيث إن الأمر لا يعدو كونه سلاح ردع و قوة للتوازن السياسي و العسكري ، و ليس شيئاً غير ذلك أو فوقه أو دونه ! ..
تنمية روح البذل و الانفاق ، سواء كان ذلك عبر الوفاء بالزكوات المفروضة ، أم عن طريق الصدقة ، و تقديم الحقوق المالية الأخرى ، التي تفرضها الحاجات المادية لمجتمع تتفشى فيه ظاهرة البطالة ، و تتضاعف فيه تبعات الأزمات الاقتصادية الخانقة .
تقديم النصح القيمي و الديني للمسؤولين و صناع القرار ، كل حسب موقعه ، وفقاً لروح الإسلام ، التي تقدم الحكمة و الموعظة الحسنة على ما سواها . و للوعاظ في دعوة موسى و هارون ، عليهما السلام ، لفرعون خير شاهد ، و خير معلم . و في ظل هذه الرؤية الإسلامية لم يعد مقبولاً الركون إلى ذلك الأسلوب الذي يمارسه بعض الدعاة الفصائليين ، الذين أكل انتماؤهم الحزبي التعصبي ، ما ينبغي أن يتحلوا به من الدعوة بروح الرحمة و الشفقة ، التي كان يمارسها الحبيب المصطفى ، و التي تجلت في قوله تعالى : ﴿ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا ﴾ ( ' [22] ) . و قد آن الأوان الذي ينبغي أن يعلم فيه جميع الوعاظ و الخطباء أن اللجوء إلى النقد بطرق السب و الشتيمة و النقد الشخصي ، ليس من الإسلام في شيء ، فليس المؤمن ـ كما قال رسول الله ، عليه السلام ـ بطعان و لا لعان و لا فاحش و لا بذيء . إننا نعلم جميعاً هذه الحقائق الإيمانية ، و مع ذلك يضل بعض الدعاة الفصائليين طريق الدعوة الحق ، فيفوت فرصة الانتفاع بقوله تعالى : ﴿ فإذا الذي بينك و بينه عداوة كأنه ولي حميم ﴾ ( ' [23] ) .
تحديد موقف الإسلام من المسؤوليات المدنية و الحقوقية و السياسية ، باعتبارها مسؤوليات شخصية ، فردية أو اعتبارية ، لا يؤخذ فيها أحد بجريرة غيره ، و لا يحاسب فيها أحد بخطيئة غيره ، فكل نفس بما كسبت رهينة ، ﴿ و لا تزر وازرة وزر أخرى ﴾ . فكم من صالحة كانت تحت أكثر الناس فسقاً و طغياناً ، و كم من فاجر أنجب عظيماً ، و كم من عظيم أنجب فاسقاً فجارا ، و هذه قصة الغلام الذي خشي أحد الصالحين أن يرهق والديه طغياناً و كفرا . و هذه قصة نوح و ولده حين كابر و استكبر ، و تلك قصة لوط و زوجته . . . إلخ . و مما يؤكد ذلك أن أسر بعض المتهمين تحتاج منا كل رعاية ، كما تحتاج منا إلى رد اعتبار ، على اعتبار أنها جزء من المجتمع الفلسطيني ، الذي هو في أمس الحاجة إلى جهود كل أبنائه ، كما هو في أشد الحاجة إلى رص الصفوف و تهدئة الخواطر ، و القضاء على الأزمات و المشاحنات النفسية و الاجتماعية و الأخلاقية .
فضح قيم المجتمع الجاهلي ، و على رأسها عادة الأخذ بالثأر ، و ظاهرة التعصب القبلي أو الحزبي أو الفصائلي الأعمى ؛ تحقيقاً لقوله تعالى : ﴿ إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله ، لعلكم ترحمون ﴾ ( ' [24] ) ، و استجابة لتوجيه المصطفي ـ عليه السلام في حجة الوداع ، حين قال : { فإن الله ـ تبارك وتعالى ـ قد حرَّم دماءكم وأموالكم وأعراضكم إلا بحقها كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذا. ألا هل بلغت «ثلاثاً»؟ كل ذلك يجيبونه: ألا نعم. قال: ويحكم أو ـ ويلكم ـ لا ترجعُنَّ بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض»}.
الحث على التمسك بالأخوة الإسلامية ، و التحذير من التنازع باعتباره باباً من أبواب الفشل و الخسران ، و البعد عن الدين الحق ، حيث قال تعالى : ﴿ إنما المؤمنون إخوة ﴾ ( ' [25] ) و قال سبحانه ﴿إن الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً لست منهم في شيء﴾ ( ' [26] ) وقال تبارك تعالى:. ﴿ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم ﴾ ( ' [27] ) . و هنا لا بد أن نؤكد أن الاختلاف باب من ابواب البغي و الطغيان و تجاوز الحد ﴿ وما اختلف الذين أوتو الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ﴾ ( ' [28] ) .
التشجيع على ممارسة الإصلاح ، و السعي بين الناس بالخير و المعروف ، تطبيقاً لقوله تعالى : ﴿ إنما المؤمنون إخوة ، فأصلحوا بين أخويكم و اتقوا الله ، لعلكم ترحمون ﴾ ( ' [29] ) .
التماس الأعذار للأخوة و الأشقاء و سائر المسلمين (من اجتهد فأصاب فله أجران، ومن اجتهد فأخطأ فله أجر واحد) ( ' [30] ) .
التأكيد على أهمية الرجوع إلى أهل العلم عند الاختلاف ﴿فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون﴾ ( ' [31] )
و من الجدير بالذكر أن هناك عشرات الآليات و الأساليب الأخرى التي يمكن للوعاظ و الخطباء أن يتخذوا منها وسيلة لتعزيز الوحدة و بناء الجبهة الداخلية ، مما يطول المجال في شرحه و تفصيله .
'
--------------------------------------------------------------------------------
( '[1] ) الأنبياء: 92 .
( '[2] ) المؤمنون 52
( '[3] ) آل عمران: 103 .
( '[4] ) المائدة: 2
( '[5] ) آل عمران : 139
( '[6] ) الحشر الآية 16 .
( '[7] ) الإمام أحمد 1/164
( '[8] ) الترمذي : 4/463 وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه .
( '[9] ) البخاري : 1/116 . و مسلم : 4/462
( ' [10] ) الرحمن : 29 .
( ' [11] ) الشرح : 5 .
( ' [12] ) الزمر : 53 .
( ' [13] ) الحجر : 56 .
( ' [14] ) المدثر : 128 .
( ' [15] ) البقرة : 286 .
( ' [16] ) الأنعام : 164 .
( ' [17] ) الفتح : 29 .
( ' [18] ) آل عمران : 159 .
( ' [19] ) المائدة : 2 .
( ' [20] ) النور : 22 .
( ' [21] ) الأنفال : 60 .
( ' [22] ) الكهف : 6 .
( ' [23] ) فصلت : 34 .
( ' [24] ) الحجرات
( ' [25] ) الحجرات
( ' [26] ) الأنعام: 59 .
( ' [27] ) الأنفال: 46 .
( ' [28] ) آل عمران: 19.
( ' [29] ) الحجرات
( ' [30] ) رواه البخاري ومسلم واللفظ لمسلم .
( ' [31] ) سورة النحل:43 .
توقيع : الهاشمية القرشية | وأفضل الناس من بين الورى رجل تقضى على يـده للنــاس حاجــــات لا تمنعـن يـد المعــروف عن أحـــد مـا دمـت مقـتـدراًَ فالســعـد تــارات واشكر فضـائل صنـع الله إذ جُعــلت إليـك لا لـك عنـد الـنــاس حـاجــات | |
| |