02-23-2006, 01:30 PM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Jan 2006 | العضوية: | 6 | المشاركات: | 1,369 [+] | بمعدل : | 0.20 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الحكواتي الفساد يهدر حياة المصريين من محرقة بني سويف إلي الغرق في البحر
الفساد يهدر حياة المصريين
ياسر عبد الحافظ
يتغير كل شئ ويبقي للمصريين
نفس الحزن .. نفس الوجع
بعض الكوارث لا تنتهي بالموت، هذا ما يؤكده المشهد المؤلم أمام مشرحة زينهم، أقارب ضحايا العبارة الغارقة ينتظرون هناك أمام شاشة تعرض الجثث التي تم العثور عليها، لا يمكن لأحد تخيل مشاعر الناس في هذه اللحظة، ظهور فقيدهم علي الشاشة يعني أن ترتاح عائلته، أن تصلي عليه وتدفنه لتستريح روحه ويفرغ محبيه لأحزانهم، غير أن انقضاء الوقت بدون ظهور صورته علي الشاشة يعطي من ناحية أخري أملا ولو ضعيف أنه ما زال علي قيد الحياة، أن معجزة ما حدثت، ربما انتشلته سفينة عابرة، ربما تمكن من السباحة إلي جزيرة صغيرة مجهولة......هكذا يمكنك أن تقرأ علي الوجوه هناك، لست في حاجة لأن تسأل أحدا عن شعوره، فقط ضع نفسك مكانه، يمكنك أن تلمح أيضا علي الوجوه بجانب الأمل والحزن والبكاء شعورا بالغضب تعبر عنه صيحة تقال بعدة تعبيرات لكن معناها واحد دائما: ملعون أبو الحكومة...علي اللي بتعمله فينا
قبل عدة أعوام أجريت في أخبار الأدب حوارا مطولا مع الكاتب الساخر العظيم محمود السعدني شفاه الله، كل ما قاله كان ملفتا كعادته غير أن أكثر ما شد انتباهي وقتها وظل محفورا بذاكرتي رأيه في الحكومة المصرية، قال إن الحكومات في العالم كله وظيفتها الوحيدة تسهيل حياة المواطنين إلا الحكومة المصرية فهي موجودة لتعقيد حياة مواطنيها، كان يقول لي ذلك بدهشة حقيقية وبكثير من الغضب لم تنجح العبارات الساخرة في مداراته.
كلما ذهبت لمصلحة حكومية لأنهي ورقة تذكرت حيرة السعدني، أتم السؤال الكبير الذي طرحه: ما الذي فعلناه لنستحق تلك الحكومات التي يتغير وجوه أفرادها ولا يتغير أبدا منهجها ورؤيتها في التعامل، وكأن هناك دستور سري يحفظه ولابد موظف أبدي مهمته الوحيدة هي الحرص علي دوام تطبيقه.
ربما كان هذا آخر ما فكر فيه اؤلئك الذين ظلوا ساعات طويلة يقاومون الغرق، ينتظرون أن تأتي النجدة إليهم، وكلما مر الوقت وسقط واحد يمر أمامهم شريط طويل من التعامل المهين، الطابور الطويل أمام الشبابيك التي يقبع فيها الموظفون النائمون تكون غالبا نهايته الموت غرقا أو في حادثة علي الطريق أو في مستشفي نتيجة خطأ لطبيب نسي أساتذته في كلية الطب تعليمه كيف يغلق الجسد بعد أن يفتحه، أو كيف يوقظ مريضا بعد تخديره.
كارثة غرق العبارة السلام 98 ليست الأولي ولن تكون الأخيرة في سلسلة من الحوادث التي يضيع بسببها كل يوم عشرات ومئات من المواطنين، إحدي المواطنات روت للمصري اليوم أن ابنها كان علي متن العبارة وقد ظنت أنه لقي حتفه حتي جاءها صوته من إحدي المستشفيات، السيدة ظلت للحظة الأخيرة غير مصدقة فحوادث سابقة أخذت منها زوجها وابنها الأكبر، الأول تحت عجلات قطار والثاني في حادث سيارة! كان من حقها بالفعل أن تظل خائفة فعائلتها ليست محاطة بلعنة ما لتواجه هذه الأحداث في ثلاث سنوات متتالية، إنما هي مثلنا جميعا: نخرج في الصباح وقلوبنا واجفة فالموت يترصد بالجميع ومن لم يقتله الإهمال الحكومي اليوم سينال منه غدا.
زمن العبيد
خمس ساعات كاملة ظلت العبارة تغرق خلالها دون أن يتدخل أحد، بعدها ظل الناجون في البحر ساعات طويلة، بعضهم قضي في الماء يوما كاملا، القصة المأساوية من بدايتها إلي نهايتها تفضح مدي ما وصلنا إليه من تخلف، فليس هناك أبشع وأكثر سوءا من التغافل عن قيمة الحياة الإنسانية، هذا ما كان يحدث في زمن العبودية، كان التجار يشحنون العبيد من أفريقيا إلي الغرب في سفن غير مجهزة، لا يهم أن يموت البعض فهناك الكثير مازالوا باقين، وموتهم أرخص من توفير قواعد السلامة والصحة بالسفن....فهل هذا ما يحدث عندنا؟
شركة السلام للنقل البحري المصرية المالكة للعبارة أكدت بعد الحادث أن السفينة كانت مطابقة لمعايير السلامة والأمان، غير أن هذا ليس حقيقي فهيئة اللويدز أصدرت تصريحا أكدت فيه أن سفينة الموت هي نفسها ميتة بحكم القانون وذلك لأنها شيدت قبل قرابة 36 عاما في حين أن معايير السلامة تسمح بعشرين عاما عمرا افتراضيا للسفينة ولهذا فهي ممنوعة من الملاحة في المياه الإقليمية الأوروبية.
هذا الكلام أكده خبراء الملاحة البحرية وزادوا عليه قائلين أن القانون المصري كان يشترط ألا يزيد عمر السفينة العاملة في نقل الركاب عن خمسة عشر عاما وفي نقل البضائع عن عشرين غير أن هذا القانون تم تعديله أو الأصح اختراقه لمصلحة البعض ومنهم الشركة صاحبة هذه العبارة، وبهذا التعديل سارت هذه العبارة عشرون عاما إضافية فوق عمرها، والمؤكد أن الجميع وهم يجنون الأرباح كانوا يفكرون في المخاطر لكنهم أبعدوها عن ذهنهم بالمنطق السائد هذه الأيام وهو ربك يسهلها إن شاء، نفس منطق هيئة النقل العام وهي تطلق سائقيها المجانين في الشوارع..ما حدش بيموت ناقص عمر
العائدين من الموت كشفوا عن حجم الإهمال الرهيب الذي عجل بغرق العبارة وزيادة عدد الضحايا، القبطان رفض العودة إلي الميناء السعودي الأقرب إليه، الأغلب أنه بهذا القرار كان يحاول الحفاظ علي الرحلة حتي لا تتعرض للخسائر، البحارة مثله كان همهم عدم ضياع أطواق النجاة، غالبا هي عهدة لابد أن يسلموها كما هي، لذلك سحبوها من الركاب قبل أن يتأكدوا من زوال الخطر، ثم تركوا الركاب *غير المدربين علي التعامل مع مأزق مثل هذا* لمصيرهم البائس، ومثلما تتأخر عربات الإسعاف تتأخر أيضا وسائل الإنقاذ في البحر لتتساوي الأمور في النهاية أن نموت غرقا أو حرقا في مسرح أو قطار أو تحت عجلات أتوبيس طائش أو بسبب المبيدات المسرطنة
|
| |