12-23-2006, 02:35 AM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | البيانات | التسجيل: | Oct 2006 | العضوية: | 397 | المشاركات: | 1,531 [+] | بمعدل : | 0.23 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الإسلامي العام وسطيّة القرآن في باب توحيد الله وأسمائه وصفاته [B][I][FONT="Arial Black"][SIZE="4"][COLOR="DarkGreen"]
أضيفت بتاريخ : 25 - 04 - 2006 نقلا عن : الإسلام اليوم - علي محمد الصلابي
إن المتأمل في كتاب الله تبارك وتعالى وما جاء فيه عن دعوات الرسل، وما أُنزل عليهم من الكتب ليخرج بحقيقة واحدة، اتفق عليها جميع الرسل، وأُنزلت بها جميع الكتب السماوية. وهذه الحقيقة هي: الدعوة إلى توحيد الله وعبادته دون سواه. فهي أُسّ الرسالات وعمودها الفقري، وهي القاسم المشترك بينها. وإن اختلفت بعد ذلك الشرائع والمناهج؛ فما من نبي أرسل ولا كتاب أنزل إلا وكان أول ما يدعو إليه هو توحيد الله تبارك وتعالى.
يقول الله -عز وجل- في تقرير هذه الحقيقة: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللَّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطَّاغُوتَ فَمِنْهُم مَّنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَّنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ﴾ [النحل:36] .
وفي آية أخرى يقول: ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاعْبُدُونِ﴾ [الأنبياء:25] ، وإذا استعرضنا القرآن الكريم في حديثه عن رسل الله عليهم الصلاة والسلام نجد أن كل رسول قال لقومه: ﴿يا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللَّهَ مَا لَكُمْ مِّنْ إِلَـهٍ غَيْرُهُ﴾ [المؤمنون:23] ابتداء من أولهم نوح عليه السلام، وانتهاء بخاتمهم نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام دينهم واحد، وهو الإسلام، وشرائعهم مختلفة كما قال المصطفى صلى الله عليه وسلم: «أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة والأنبياء إخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد» [أخرجه البخاري : كتاب أحاديث الأنبياء، باب ﴿وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ﴾ ج6/478]
قال الحافظ ابن حجر: «ومعنى الحديث: أن أصل دينهم واحد، وهو التوحيد وإن اختلفت فروع الشرائع. وقيل المراد إن أزمنتهم مختلفة» [فتح الباري(ج6 / 489)] .
وقال الحافظ ابن كثير في معنى الحديث: "أي: القدر المشترك بينهم وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وإن اختلفت شرائعهم ومنابعهم، لقوله تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاج﴾ [المائدة:48] " تفسير ابن كثير ( ج7 / 183).
وكل الأنبياء أخبروا بأنهم مسلمون ودعوا قومهم للإسلام؛ لأنه الدين الحق الذي لا يقبل الله غيره ﴿إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَآءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾ [آل عمران:19] ، ﴿وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ [آل عمران:85] .
وهذا يدل على أن دين جميع الأنبياء واحد، هو الإسلام ودعوتهم واحدة، وهي الدعوة لتوحيد الله -عز وجل- وإفراده بالعبادة، على هذا مضى رسل الله والمسلمون من أممهم، ولكن أقوامهم غيّروا وبدّلوا بعدهم، وحرفوا وأدخلوا في دين الله ما لم يأذن به الله، وشمل التحريف والتبديل أساس دعوة الرسل، وهو التوحيد.
وما يتعلق بذات الله -عز وجل- من الأسماء والصفات فتفرقت الأمم في ذلك ما بين مفرّط ، ومُفْرط، وغالٍ ومقصّر؛ لإعراضهم عن هدي المرسلين واتباعهم غير سبيل المؤمنين، ومن أعظم الأمم اختلافاً وضلالاً في هذا الباب، أمتي اليهود والنصارى، واليهود غلب عليهم التقصير والتفريط والجفاء، وإن كان لديهم غلو وإفراط، والنصارى غلب عليهم الغلو والإفراط، وإن كان وقع منهم تفريط وتقصير في جوانب.
والمسلمون اتبعوا الرسل، فهُدوا لأقوم السُّبل ، فكان قولهم هدى بين ضلالتين، وحقاً بين باطلين، فهو كاللبن سائغ يخرج من بين فرث ودم, وإليك البيان فيما ذهبت إليه كل من هذه الأمم الثلاث في هذا الباب. [وسطية أهل السنة بين الفرق ص 243،242]
موقف أمة اليهود
عرفنا مما تقدم أن أمة يهود أمة غلب عليها طابع التفريط، والتقصير في هذا الباب، بل هو الغالب عليهم في أكثر الأبواب.
ولعل من أبرز مظاهر تفريطهم وتقصيرهم في هذا الباب أمرين.
الأول: اتخاذهم الأنداد لله عز وجل وعبادة الأصنام.
الثاني: إغراقهم في تشبيه الخالق بالمخلوق، ووصف الله عز وجل بالنقائص التي لا تليق إلا بالمخلوق.
فأما الأمر الأول: وهو اتخاذهم الأنداد وعبادة الأصنام؛ فإن القوم لما أنقذهم الله من عدوهم فرعون وجنوده، وجاوز بهم البحر مع موسى عليه السلام، وأغرق عدوهم على مشهد منهم، ومروا على قوم يعكفون على أصنام لهم. مالت نفوسهم إلى الوثنية، وطالبوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم مثلها: يقول الله عز وجل في ذلك: ﴿وَجَاوَزْنَا بِبَنِي إِسْرَآئِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يمُوسَى اجْعَلْ لَّنَآ إِلَـهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ﴾. [الأعراف:138] ، ثم بيّن لهم موسى عليه السلام ضلال أولئك وبطلان عملهم، وأن الإله الحق هو الله الذي فضلهم على العالمين فقال: ﴿إِنَّ هَـؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَّا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ . قَالَ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِيكُمْ إِلَـهاً وَهُوَ فَضَّلَكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ [الأعراف:139-140] .
اتخاذهم العجل في زمن موسى:
لم يلق نصح موسى عليه السلام وتذكيره ووعظه من القوم قلباً واعياً أو أذناً صاغية، فما أن تركهم عليه السلام وذهب إلى ربه يناجيه، حتى اتخذوا العجل من بعده إلهاً من دون الله قال تعالى: ﴿وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ أَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّهُ لاَ يُكَلِّمُهُمْ وَلاَ يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَكَانُواْ ظَالِمِينَ﴾ [الأعراف:148] .
﴿وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ﴾ [البقرة:51] ، ثم بين تعالى من تولى كبر إضلالهم وصناعة العجل لهم ﴿قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِن بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ﴾. إلى قوله تعالى: ﴿فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَّهُ خُوَارٌ فَقَالُواْ هَـذَآ إِلَـهُكُمْ وَإِلَـهُ مُوسَى فَنَسِيَ﴾ [طه:85-88] . فبين تعالى أن الذي عمل لهم العجل هو السامري. ومن العجيب أن كتاب العهد القديم ينسب هذا العمل الشنيع إلى هارون عليه السلام كما جاء في "سفر الخروج" [انظر: العهد القديم، سفر الخروج إصحاح 32 فقرة1-6] ولقد تكرر من القوم، اتخاذ الأصنام وعبادتها بعد موسى عليه السلام.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: "وأهل الكتاب معترفون بأن اليهود عبدوا الأصنام مرات .... [الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح ج3/ 247] وفي كتاب العهد القديم، إشارات كثيرة لعبادتهم الأوثان والأصنام، من ذلك:
1) ما جاء في "سفر الملوك الثاني" عن عودتهم لعبادة العجل في عهد رحبعام "هو رحبعام ابن سليمان عليه السلام ملك بعد أبية". يقول السفر: " ...... وعمل عجلي ذهب وقال لهم : كثير عليكم أن تصعدوا إلى أورشليم هوذا ألهتك يا إسرائيل الذين أصعدوك من أرض مصر ووضع واحداً في بيت أيل، وجعل الآخر في دان" [سفر الملوك الأول، إصحاح 12 فقرة 28 - 29]
2) عبادتهم الأفعى وبعض التماثيل
يذكر "سفر الملوك الثاني" عن الملك خرقيال أنه: "أزال المرتفعات وكسر التماثيل وقطع السواري وسحق حية النحاسي التي عملها موسى؛ لأن بني إسرائيل كانوا إلى تلك الأيام يوقدون لها ......." [إصحاح 18 فقرة 4] ، على أن موسى عليه السلام لم يعمل تمثالاً نحاسياً للحية، وإنما كانت عصاه تنقلب إلى حية تسعى معجزة له ثم تعود سيرتها الأولى بعد ذلك عصا يتوكأ عليها، ويهش بها على غنمه، ولكن لعل بني إسرائيل عملوا ذلك ونسبوه إلى موسى -عليه السلام- لتروج عند الناس، ويعظموها ويعبدوها.
وأما الأمر الثاني: هو قولهم بالتشبيه ووصف الخالق بصفات المخلوق:
وهذا أمر مشهور عنهم، حتى عده الشهرستاني [انظر : الملل والنحل (ج1/106) هو أبو الفتح محمد عبد الكريم توفي 48ه] من طباعهم الملازمة لهم، فإن القوم أسرفوا في تشبيه الله عز وجل بالمخلوق، ووصفوه جل وعلا بالنقائص التي تختص بالمخلوق، ولقد سجل عليهم القرآن الكريم صوراً من ذلك. وكتابهم الذي بين أيديهم ينضح بالكثير من ذلك. ونحن نذكر فيما يلي نماذج من أقوالهم التي شبهوا فيها الخالق -عز وجل- بخلقه.
1) فمن ذلك: (وصفهم الله بالفقر) وهو وصف لا يليق بخالق البشر، ولكن القوم لا عقول ولا حياء عندهم، قال تعالى ﴿لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ الْحَرِيقِ﴾. [آل عمران:181] .
2) ومن ذلك: (وصفهم له بأن يده مغلولة) قال عز وجل ذاكراً قولهم هذا: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَآءُ﴾ [المائدة:64]
3) وصفوه بأنه يحزن، ويندم على أفعاله. تعالى عن ذلك علواً كبيراً يصفه (سفر التكوين) بذلك فيقول: "ورأى الرب أن بشر الإنسان قد كثر في الأرض، وأن كل تصور أفكار قلبه، إنما هو شرير كل يوم فحزن الرب أنه عمل الإنسان الذي خلقه، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم" (إصحاح 6 فقرة 5-8 ).
4) ووصفوه: (بالتعب والاستراحة) تعالى عن ذلك. جاء في (سفر الخروج): أذكر يوم السبت لتقديسه، ستة أيام تعمل وتصنع جميع عملك وأما اليوم السابع ففيه سبت للرب إلهك، لا تصنع عملاً أنت وابنك وابنتك وعبدك وأمتك وبهيمتك ونزيلك الذي داخل أبوابك، لأن في ستة أيام صنع الرب الأرض والسماء والبحر وكل ما فيها [إصحاح 20 فقره 1-17] ، واستراح اليوم السابع لذلك بارك الرب اليوم السابع وقدسه...)
وفي (سفر التكوين): "فأكملت السموات والأرض وكل جندها وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمله فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمله" [إصحاح 2 فقره 1-2]
5) وقالو: "بأنه إنسان وصارع يعقوب عليه السلام إلى الفجر" ففي (سفر التكوين) : "فبقي يعقوب وحده وصارعه إنسان حتى طلوع الفجر، ولما رأى أنه لا قدرة عليه ضرب فخذه فأنخلع حق فخذ يعقوب في مصارعته معه، وقال : أطلقني؛ لأنه قد طلع الفجر، فقال: لا أطلقك إن لم تباركني فقال له: ما اسمك؟ فقال يعقوب: وقال: لا يدعى اسمك فيما بعد يعقوب بل إسرائيل؛ لأنك جاهدت مع الله والناس وقدرت ... فدعا يعقوب اسم المكان فينئيل قائلاً: لأني نظرت الله وجهاً لوجه ونجيت نفسي" [إصحاح 32 فقره 24-30]
6) وصفوه بما يفيد أنه "لا يعلم الغيب ويحتاج علامات يميز بها بنى إسرائيل من غيرهم، فوضع الدم علامة على بيوت بني إسرائيل ليميزها عن بيوت المصريين حتى لا يهلكهم".
ففي (سفر الخروج): "إن الرب كلم موسى -عليه السلام- وقال له فيما قال: فإني اجتاز في أرض مصر هذه الليلة، وأضرب كل بكر في أرض مصر من الناس والبهائم، وأضع أحكاماً بكل ألهة المصريين أنا الرب، ويكون لكم الدم علامة على البيت التي أنتم فيها، فأرى الدم وأعبر عنكم فلا يكون عليكم ضربه للهلاك حين أضرب أرض مصر" [سفر الخروج ، إصحاح 12 فقره 12-13]
7) أنهم: جعلوا له أبناء كما أن للمخلوق أبناء جاء في "سفر التكوين": "وحدث لما ابتدأ الناس يكثرون على الأرض، وولد لهم بنات أن أبناء الله رأوا بنات الناس أنهن حسنات فاتخذوا لأنفسهم نساء من كل ما اختارو" [إصحاح 6 فقرة 1-2]، وحكى الله عز وجل عنهم أنهم جعلوا له ابناً فقال: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة:30]
ثانياً : موقف النصارى
لقد ضلت أمة النصارى في هذا الباب ضلالاً بعيداً، ولعل أمة من الأمم لم تضل في دينها وربها وإلهها كما ضل الذين قالوا إنا نصارى. ولا عجب فالضلالة صفتهم المميزة لهم، كما أخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله: «اليهود مغضوب عليهم والنصارى ضُلاّل» [الترمذي : كتاب التفسير، باب سورة الفاتحة ج5 / 204] قال ذلك في تفسير قول الله عز وجل: ﴿غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِم وَلاَ الضَّآلِّين﴾ [الفاتحة:7] ، ولعل من أعظم ضلالهم في باب توحيد الله وصفاته أنهم:
1) شبهوا المخلوق بالخالق:
وأضفوا عليه من الصفات والخصائص مالا يليق إلا بالله عز وجل، ولا يصلح إلا له سبحانه. فوصفوا المخلوق بصفات الخالق المختصة به، فقالوا: "إنه يخلق ويرزق و يغفر ويرحم الخلق ويثيب ويعاقب" [ابن تيمية، الوصية الكبرى، ص 14]، إلى غير ذلك من خصائص الربوبية و خصائص الألوهية التي لا تكون إلا لله سبحانه، وذلك أن هذه الأمة الضالة، جعلت المسيح -عليه السلام هو الله ، كما ذكر الله عز وجل قولهم هذا وكفَرهم به فقال : ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:17] ..
وتارة جعلوه ابناً لله، سبحانه وتعالى عما يقول المبطلون، وعن قولهم هذا يقول الحق تبارك وتعالى: ﴿وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [التوبة:30] .
وقالوا تارة أخرى: إنه شريك لله وجزء من ثلاثة يتكون منها الإله كما ذكر الله قولهم هذا وكفرهم به أيضاً فقال: ﴿لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَـهٍ إِلاَّ إِلَـهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ [المائدة:73] .
فألّهوا المسيح عليه السلام وجعلوه شريكاً لله، وعبدوه من دونه ، بل وصفوه بأخص صفات الألوهية والربوبية من الخلق والرزق والأحياء، والإماتة، وبذلك فارقوا عباد الأصنام والأوثان الذين قالوا في معبوداتهم: ﴿مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَآ إِلَى اللَّهِ زُلْفَى﴾ [الزمر:3] ، ولم يضيفوا إليها شيئاً من خصائص الربوبية كالخلق والرزق ونحو ذلك، بل أقروا بكل ذلك لله وحده كما قال عز وجل: ﴿قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَآءِ وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ﴾ [يونس:31] .
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾ [العنكبوت:61]
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّن نَّزَّلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَأَحْيَا بِهِ الأَرْضَ مِن بَعْدِ مَوْتِهَا لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ﴾ [العنكبوت:63] ،
﴿وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ﴾ [لقمان:25] .
أما هؤلاء فلئن سألتهم عن شيء من ذلك ليقولُن المسيح ، فهو عندهم الإله الخالق المحي المميت، باعث الرسل، ومنزل الكتب، حكى الإمام ابن القيم عنهم أنهم قالوا:" وليس المسيح عن طوائفنا الثلاثة (هكذ) بنبي ولا عبد صالح ، بل هو رب الأنبياء وخالقهم وباعثهم ومرسلهم وناصرهم، ومؤيدهم ورب الملائكة" "هداية الحيارى، ص 269"
وفي قرارهم الذي قرروه في "مجمع نيقية، سمي بذلك ، نسبة إلى مدينة نقية من أعمال اصطنبول التي اجتمع بها عدد من علماء النصارى ، وكان من إقرارهم القول بإلهية المسيح ) الذي عقدوه سنة 325م وسموه بـ (الأمانة) ونصّوا فيه على ألوهية المسيح عليه السلام، صرّحوا بأنه هو الذي سينزل للقضاء بين الناس يوم القيامة لمحاسبتهم ومجازاتهم فقالوا: "وهو مستعد للمجيء تارة أخرى للقضاء بين الأموات والأحياء" [انظر : الشهر ستاني ، الملل والنحل ج2 / 28].
يقول أحد قساوستهم في رسالة إلى أبي عبيدة الخز رجي "هو أبو جعفر احمد بن عبد الصمد بن أبي عبيدة الخز رجي الساعدي كان مشهوراً بالذكاء والنبل مات بفأس بالمغرب عام 582ه"، مصرحاً بألوهية المسيح، وأنه خالق السماوات والأرض: "أما بعد حمد الله الذي هدانا لدينه، وأيّدنا بيمينه، وخصّنا بابنه ومحبوبة، ومدّ علينا رحمته بصلبه المسيح إلهنا، الذي خلق السماوات والأرض، وما بينهن، والذي أمدّنا بدمه المقدس، ومن عذاب جهنم وقانا ......." [أبو عبيدة الخزرجي بين المسيحية والإسلام ص72].
وقال مخاطباً أبا عبيدة داعياً إياه للإيمان بألوهية المسيح الخالق: "وما عقائدكم كلها إلا حسنة، وكان عندكم عدل كثير في أصل دينكم، وخير شامل، فهل آمنتم بالمسيح وقلتم : " إنه هو الله خالق السماوات والأرض لكمل إيمانكم" [نفس المصدر ص87] وهكذا نرى النصارى يصفون المسيح عليه السلام بصفات الربوبية المختصة برب العالمين عز وجل ، وهذا أمر انفردوا به من بين العالمين.
--- يتبع ---
|
| |