12-23-2006, 01:50 AM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | البيانات | التسجيل: | Oct 2006 | العضوية: | 397 | المشاركات: | 1,531 [+] | بمعدل : | 0.23 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الإسلامي العام احفظ الله يحفظك "1"
احفظ الله يحفظ .. "1"
د.محمد عبد العزيز العلي
دراسة عقدية في حديث احفظ الله يحفظك
عن أبي العباس عبد الله بن عباس -رضي الله عنهما– قال: كنت خلفَ النبي -صلى الله عليه وسلم- يومًا فقال: (يا غلامُ إني أُعَلِّمُك كلمات: احفظِ الله يحفظك، احفظِ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف) [3].
وفي رواية: (احفظ الله تجده أمامك، تعرّف إلى الله في الرخاء يعرفْك في الشدة، واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك،واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرً).
وفي رواية: (يا فتى ألا أهب لك ألا أعلمك كلمات ينفعك الله بهن، احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك، وإذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أنه قد جف القلـــــم بما هو كائن، واعلــــــم بأن الخلائـــق لو أرادوك بشيء لم يردك الله به لم يقدروا عليه، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرً) [4].
مكانة الحديث:
حديث ابن عباس هذا حديث عظيم، وكل أحاديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- عظيمة وشريفة، فهو أمر نبوي كريم بحفظ الدين، وبيان لنتيجة ذلك، وهو نصر الله وتأييده وحفظه لمن حفظ دينه، وقد اشتمل هذا الحديث على مسائل عقدية تعد أصولًا عظيمة ، من الإيمان بالله والإخلاص له بالعبادة والتوكل عليه والاسـتعانة به ، والقضاء والقـدر ، والاتبـاع لما جاء به رسوله -صلى الله عليه وسلم-.
ومما يدل على مكانته اختيار النووي (ت 676ه) له أن يكون ضمن الأربعين حديثًا التي جمعها، وكان رقمه التاسع عشر، وذكر سبب اختياره لها بقوله: «وقد استخرت الله تعالى في جمع أربعين حديثًا …، ثم من العلماء من جمع الأربعين في أصول الدين، وبعضهم في الفروع، وبعضهم في الجهاد، وبعضهم في الزهد، وبعضهم في الآداب، وبعضهم في الخطب، وكلها مقاصد صالحة، رضي الله عن قاصديها، وقد رأيت جمع أربعين أهم من هذا كله، وهي أربعون حديثًا مشتملة على جميع ذلك، وكل حديث منها قاعدة عظيمة من قواعد الدين، قد وصفه العلماء بأن مدار الإسلام عليه، أو هو نصف الإسلام، أو ثلثه، أو نحو ذلك… ، وينبغي لكل راغب في الآخرة أن يعرف هذه الأحاديث لما اشتملت عليه من المهمات، واحتوت عليه من التنبيه على جميع الطاعات، وذلك ظاهر لمن تدبره» [5].
كما اختاره النووي أيضًا ليكون ضمن كتابه القيم (رياض الصالحين)، ووضعه في الباب الخامس، باب المراقبة، من الكتاب الأول، فكان رقمه الثاني والستين من جملة الأحاديث التي بلغت 1896 حديـــثًا، وقد قال في مقدمتها: «فرأيت أن أجمع مختصرًا من الأحاديث الصحيحة، مشتملًا على ما يكون طريقًا لصاحبه إلى الآخرة، ومحصلًا لآدابه الباطنة والظاهرة، جامعًا للترغيب والترهيب، وسائر أنواع آداب السالكين، من أحاديث الزهد، ورياضات النفوس، وتهذيب الأخلاق، وطهارات القلوب وعلاجها، وصيانة الجوارح، وإزالة اعوجاجها،وغير ذلك من مقاصد العارفين» [6].
وقد وجد هذان الكتابان قبولاً عظيمًا عند العلماء، وطلبة العلم بعد النووي، إذ كثر انتشارهما، واعتني بهما بالشرح والتعليق.
وقد اعتنى العلماء بهذا الحديث خاصة، وشرحوه، وبينوا منزلته، ومن ذلك ما ذكره ابن رجب الحنبلي (ت 795ه) حيث قال: « هذا الحديث يتضمن وصايا عظيمة،وقواعد كلية من أهــم أمــــور الدين، وأجلِّها، حتى قال الإمام أبو الفرج في كتابه (صيد الخاطر): تدبرت هذا الحديث، فأدهشني، وكدت أطيش، فوا أسفي من الجهل بهذا الحديث، وقلة التفهم لمعناه» [7].
وقــال ابن حجــر الهيتمي (ت 974ه): بأن هذا الحديث اشــتمل على «هذه الوصايا الخطيرة القـــدر، الجامعــــة من الأحكام والحكم والمعارف ما يفوق الحصر» [8].
وقال ابن عثيمين: «فهذا الحديث الذي أوصى به عبد الله بن عباس ينبغي للإنسان أن يكون على ذكر له دائمًا، وأن يعتمد على هذه الوصايا النافعة، التي أوصى بها النبي -صلى الله عليه وسلم- ابن عمه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما» [9].
شرح الحديث إجمالاً:
قوله: (كنت خلف النبي -صلى الله عليه وسلم-) أي راكبًا معه، ورديفه.
قوله: (فقال: يا غلام…) قال له: (يا غلام)؛ لأن ابن عباس -رضي الله عنهما- كان صغيرًا، فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- توفي وعمر ابن عباس ثلاث عشرة سنة، وقيل: خمس عشرة سنة [10].
قوله: (إني أعلمك كلمات) ذكر له ذلك قبل ذكر الكلمات، ليكون ذلك أوقـــع في نفســـه، وجاء بها بصيغة القلّة؛ ليؤذنه أنها قليلة اللفظ؛ فيسهل حفظه [11].
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احفظ الله) أي احفظ حدوده، وحقوقه، وأوامره ونواهيه.
وحفظ ذلك يكون بالوقوف عند أوامره بالامتثال، وعند نواهيه بالاجتناب، وعند حدوده فلا يتجاوز ما أمر به، وأذن فيه إلى ما نهى عنه، فمن فعل ذلك فهو من الحافظين لحدود الله.
وأعظم ما يجب حفظه التوحيد، وسلامة العقيدة، فهي الأصل والأساس لبقية أركان الإيمان والإسلام، التي يجب حفظها، بالإيمان بها قولًا وعملًا واعتقادًا، إخلاصًا لله تعالى، واتباعًا لما جاء به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
قال ابن دقيق العيد ( ت 702ه) في معنى (احفظ الله): « ومعناه كن مطيعًا لربك، مؤتمرًا بأوامره، منتهيًا عن نواهيه» [12].
وكذلك من حفظ الله أن يتعلم المسلم من دينه ما يقوّم به عباداته ومعاملاته، ويدعو به إلى الله -صلى الله عليه وسلم-.
وقوله: (يحفظك) يعني أن من حفظ حدود الله، وراعى حقوقه حفظه الله، في الدنيا من الآفات والمكروهات، وفي الآخرة من أنواع العقوبات، جزاء وفاقًا. فكلما حفظ الإنسان دين الله حفظه الله.
وحفظ الله لعبده الحافظ لدينه، يكون في أمرين:
الأول: حفظ الله للعبد في دينه وإيمانه، فيحفظه في حياته من الشبهات المضلة، ومن الشهوات المحرّمة، ويحفظ عليه دينه عند موته، فيتوفّاه على الإيمان.
هذا هو الأمر الأول، وهو أعظمهما وأشرفهما، وهو أن يحفظ الله عبده من الزيغ والضلال؛ لأن الإنسان كلما اهتدى زاده الله هدى، وكلما ضل ازداد ضلالًا.
الثاني: حفظ الله للعبد في مصالح دنياه، كحفظه في بدنه وولده وأهله وماله، ومن حفظ الله في صباه وقوته حفظه الله في حال كبره وضعف قوته، ومتّعه بسمعه وبصره وحوله وقوته وعقله [13].
إذن من حفظ حدود الله حفظه الله في دينه، وفي بدنه وولده وأهله وماله.
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احفظ الله تجده تجاهك) أي احفظ الله أيضًا، بحفظ حدوده وحقوقه، وشريعته بالقيام بأمره واجتناب نهيه.
(تجده تجاهك)، وفي رواية: (أمامك)، ومعناهما واحد، أي من حفظ حدود الله وجد الله تجاهـــــه وأمامــــه، في كل أحواله حيث توجه، يحوطه وينصره ويوفقه ويسدده، كما قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونٌَ﴾ [14].
نعم من حفظ الله وجد الله أمامه يدله على كل خير، ويذود عنه كل شر، ولا سيما إذا حفظ الله بالاستعانة به؛ فإن الإنسان إذا استعان بالله، وتوكل على الله كان الله حسبه وكافيه، ومن كان الله حسبه؛ فإنه لا يحتاج إلى أحد بعد الله، فلن يناله سوء. [15]
يقول ابن دقيق العيد في شرح هذه العبارة: « أي اعمل له بالطاعة، ولا يراك في مخالفته؛ فإنك تجده تجاهك في الشدائد» [16].
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (إذا سألت فاسأل الله) سؤال الله تعالى هو دعاؤه والرغبة إليه، فدل هذا التوجيه النبوي الكريم على أن يسأل الله -صلى الله عليه وسلم-، ولا يسأل غيره، فسؤال الله -صلى الله عليه وسلم- دون خلقه هو المتعين؛ لأن السؤال فيه إظهار الذل من السائل، وفيه الاعتراف بقدرة المسؤول على رفع هذا الضرر، وجلب المنافع، ودفع المضار، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده.
والله سبحانه يحب أن يُسأل، ويُلَحّ في سؤاله، والمخلوق بخلاف ذلك، يكره أن يُسأل، ويحب أن لا يسأل؛ لعجزه وفقره وحاجت [17].
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (وإذا استعنت فاستعن بالله) دل هذا الحديث على أن يستعان بالله دون غيره، وأن لا يعتمد على مخلوق، فالاستعانة هي طلب العون، ولا يطلب العون من أي إنسان « إلا للضرورة القصوى، ومع ذلك إذا اضطررت إلى الاستعانة بالمخلوق فاجعل ذلك وسيلة وسببًا، لا ركنًا تعتمد عليه …» [18].
يقول ابن رجب: « وأما الاستعانة بالله -صلى الله عليه وسلم- دون غيره من الخلق؛ فلأن العبد عاجز عن الاستقلال بجلب مصالحه، ودفع مضاره، ولا معين له على مصالح دينه ودنياه إلا لله -صلى الله عليه وسلم-، فمن أعانه الله فهو المعان…، فالعبد محتاج إلى الاستعانة بالله في فعل المأمورات، وترك المحظورات» [19].
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك). المراد أن كـــل ما يصيب الإنســــان في دنياه، مما يضره أو ينفعه، فهو مقدر عليه، فلا يصيب الإنسان إلا ما كتب له من ذلك في الكتاب السابق، ولو اجتهد على ذلك الخلق كلهم جميعًا.
فالرسول -صلى الله عليه وسلم- يخبر في هذا الحديث أن الأمة لو اجتمعت كلها على نفع أحد لم ينفعوه إلا بشيء قد كتبه الله له، وإذا وقع منهم نفع له فهو من الله تعالى؛ لأنه هو الذي كتبه، وكذلك لو اجتمعوا على أن يضروا أحدًا بشيء لم يضروه إلا بشيء قد كتبه الله عليه [20].
ولهذا جاء في الحديث: (إنَّ لكل شيء حقيقة، وما بلغ عبد حقيقة الإيمـان حتى يعلـم أن ما أصابه لم يكن ليخطئـه، وما أخطـأه لم يكن ليصيبه) [21].
قوله: (رفعت الأقلام وجفت الصحف) هذا إخبار من الرسول -صلى الله عليه وسلم- عن تقدّم كتابة المقادير، وأن ما كتبه الله فقد انتهى ورفع، والصحف جفّت من المداد، ولم يبق مراجعة، فما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك [22].
قوله -صلى الله عليه وسلم-: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرً) يعني أن ما أصاب العبد من المصائب المؤلمة المكتوبة عليه، إذا صبر عليها نصره الله، وجعل في صبره خيرًا كثيرًا.
يقول صاحب شرح رياض الصالحين في شرح هذا الحديث: « يعني اعلم علم اليقين أن النصر مع الصبر، فإذا صبرت، وفعلت ما أمرك الله به من وسائل النصر ؛ فإن الله تعالى ينصرك .
والصبر هنا يشمل الصبر على طاعة الله ، وعن معصيته ، وعلى أقداره المؤلمة» [23].
قوله: (وأن الفرج مع الكرب) أي كلما اشتدت الأمور واكتربت وضاقت؛ فإن الفرج من الله قريب ، يقول ابن حجر الهيتمي: « … (وأن الفرج) يحصل سريعًا (مع الكرب) فلا دوام للكرب ، وحينئذ فيحسن لمن نزل به أن يكون صابرًا، محتسبًا، راجيًا سرعة الفرج مما نزل به، حسن الظن بمولاه في جميع أموره، فالله -صلى الله عليه وسلم- أرحم به من كل راحم، حتى أمه وأبيه، فهو -صلى الله عليه وسلم- أرحم الراحمين» [24].
وقوله: (وأنَّ مع العسر يسرً) أي أن كل عسر فإن بعده يسرًا، بل إن العسر محفوف بيُسرَيْن، يُسر سابق، ويُسر لاحق، لقوله تعالى: ﴿فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْـــرًاٌ﴾فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا * إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْـــرًا [25]. فالعسر لا يدوم لمن احتسب وصبر، وعلم أن ما أصابه بمقدور الله تعالى، وأنه لا مفر له من ذلك، واستقام كما أمر ربه؛ إخلاصًا وحسن اتباع [26].
المبحث الأول
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يا غلام: إني أعلمك كلمات)
مما يؤخذ من هذا الجزء في حديث الرسول -صلى الله عليه وسلم- الأمور التالية:
1- وجوب تعليم الناس العقيدة الصحيحة، وتربيتهم عليها، وعلى العلم النافع، ويكون ذلك بأسلوب مختصر، وكلم جامع واضح، فلو تأملت هذا الحديث لوجدته جامعًا لمسائل عقدية كثيرة بأسلوب موجز.
2- الحرص على تربية الناشئة على العلم النافع، ويبدأ بتربيتهم على العقيدة الصافية الخالصة؛ فإن الرسول -صلى الله عليه وسلم- وجه هذه الكلمات النافعات إلى ابن عباس وهو صغير؛ إذ قال له: (يا غلام: إني أعلمك كلمات)؛ ليتربى الشاب المسلم على معرفة الله وتوحيده، وحفظ حدوده، يلجأ إلى الله في الرخاء والشدة، ويسأله ويســتعين به، ويتوكل عليه -صلى الله عليه وسلم-، فيصبح شجاعًا مقدامًا؛ لأنه يعلم أنه لا يملك أحد من البشر له نفعًا ولا ضرًا إلا بإذن الله تعالى، ولأن الله معه ينصره ويؤيده وييسر له أموره، ما دام متمسكًا بشرع الله إخلاصًا واتباعًا.
فعلى الجميع الحرص على غرس الإيمان في نفوس الأبناء، وتربيتهم على فهم أصول الإيمان، والعمل بأحكام الإسلام، وتعويدهم على المراقبة والمحاسبة منذ الصغر، قبل أن تصلهم الفلسفات الإلحادية والشبهات البدعية والشهوات المغرضة، وغير ذلك مما تشنه تلك الحملات المسعورة من حرب ضروس ضد شباب الأمة ذكورًا وإناثًا، مرة باسم التثقيف، وباسم التسلية والترفيه مرات أخرى.
3- استحباب تشويق المتعلم، وتهيئته بلطف العبارة، وتنبيهه إلى أهمية ما يلقى إليه، وإشعاره بسهولة حفظه ووعيه ليسهل عليه تلقيه واستيعابه، وبالتالي حفظه ووعيه، وبخاصة المسائل العقدية التي يحتاج إلى دقة في حفظها ونقلها، ويؤخذ هذا من فعل الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما قال لابن عباس مقدمًا له هذه المسائل: (يا غلام: إني أعلمك كلمات).
4- ومما يؤخذ من هذا الحديث حرص الرسول -صلى الله عليه وسلم- على توجيه الأمة، وتنشئة الجيل المسلم على العقيدة الصحيحة والشرع القويم، وقد قال الله تعالى في وصفه -صلى الله عليه وسلم-: ﴿لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌٌ﴾ [27]، أي يعز عليه الشيء الذي يعنت أمته، ويشق عليها، حريص على هدايتكم، ووصول النفع الدنيوي والأخروي إليكم [28]، ولهذا ورد عن أبي ذر -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: تركنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وما طائر يقلب جناحيه في الهواء إلا وهو يذكرنا منه علمًا، قال: فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ما بقي شيء يقرب من الجنة ويباعد من النار إلا وقد بُيِّن لكم) [29].
المبحث الثاني
في قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احفظ الله)
وممَّا يؤخذ في هذا الجزء ما يلي:
1- إثبات صفة الحفظ لله تعالى، أخذًا من قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احفظ الله يحفظك)، فهنا أثبت أن الله -صلى الله عليه وسلم- متصف بأنه يحفظ عباده الذين يحفظون حدوده، فدل على إثبات صفة الحفظ لله تعالى، وأنها تتعلـــق بإرادته ومشيئــــته، وهذه الصفة ثابتة لله -عزَّ وجل- في القرآن الكريم ، لقـوله تعالى: ﴿فَاللّهُ خَيْرٌ حَافِظًا وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينٌ﴾ [30]، وقوله ســبحانه: ﴿إِنَّ رَبِّي عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [31].
وقد ذكر العلماء أنَّ من أسماء الله تعالى (الحافظ) و(الحفيظ)؛ أخذًا من الآيتين السابقتين، ومن المعلوم أنَّ باب الصفات أوسع من باب الأسماء؛ وذلك لأن كل اسم متضمن لصفة، وأسماء الله تعالى إن دلت على وصف فقد تضمنت ثلاثة أمور:
أحدها: ثبوت ذلك الاسم لله -عزَّ وجل-.
الثاني: ثبوت الصفة التي تضمنها لله -عزَّ وجل-.
الثالث: ثبوت حكمها ومقتضاه [32].
مثال ذلك: (الحافظ) يتضمن إثبات (الحافظ) اسمًا لله تعالى، وإثبات الحفظ صفة له، وإثبات حكم ذلك ومقتضاه، وهو أنه سبحانه يحفظ عباده، الذين يحفظونه.
ومن الأدلة أيضًا على تسمية الله بالحفيظ قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَولِيَاء اللَّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَمَا أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٌٍ﴾ [33]، وقوله: ﴿وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ [34].
يقول صالح البليهي (ت 1410ه): « الحفيظ من أسماء الله الحسنى، واشتقاقه من الحفظ، والحفظ لغة هو الحراسة والصيانة والحياطة، والله جل وعلا سمى نفسه حفيظًا … فالله تقدّس اسمه هو الحافظ والحفيظ، هو تعالى على كل شيء حفيظ، أي شاهد وحافظ، يحفظ على عباده أقوالهم وأفعالهم، فيجازي كلًا بعمله، إن خيرًا فخير، وإن شرًا فشر …، والله تعالى من فضله ولطفه ورحمته وإحسانه يحفظ عباده المؤمنين، وهو خير الحافظين، يحفظهم من كل شر، ومن كل محنة وبلاء، يحفظهم تعالى ﴿وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ﴾ يحفظهم بشرط أن يحافظوا على ما أوجب الله عليهم في شريعة الإسلام، وبشرط أن يحفظوا جوارحهم عن كل ما حرم الله…، ودعاء الله بأسمائه مشروع، وكيفيته يا غفور اغفر لي، يا رحمن ارحمني، يا رزاق ارزقني، يا معافي عافني، ونحو ذلك، فالله تعالى هو الحافظ والحفيظ … اللهم يا حافظ ويا حفيظ احفظنا وأنت خير الحافظين» [35].
2 - وجوب حفظ العقيدة، والحرص على سلامتها مما قد يشوبها، وأن ذلك أعظم أسباب حفظ الله للعبد، كما يجب حفظ الشريعة، وذلك بالعمل بها، والدعوة إليها، والدفاع عنها.
فإذا كان قوله -صلى الله عليه وسلم-: (احفظ الله) يعني حفظ حدوده، وحقوقه ، وأوامره ونواهيه، فإن أعظم حقوقه توحيده في ألوهيته وربوبيته وأسمائه وصفاته، واتباع كتاب الله تعالى وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، المصدرين لتلقي العقيدة، والحذر من الانزلاق مع الهوى، أو تقديم العقل على النص الشرعي مما أوقع كثيرًا من الفرق والنحل في الشرك والبدع والمخالفات.
وحفظ العقيدة يكون بتعلمها والإيمان بها والعمل بمقتضاها،وتعليمها والدعوة إليها.
منقول (( يتبع ))
|
| |