12-18-2020, 12:15 AM
|
المشاركة رقم: 1 |
المعلومات | الكاتب: | | اللقب: | عضو | الصورة الرمزية | | البيانات | التسجيل: | Jan 2006 | العضوية: | 6 | المشاركات: | 1,369 [+] | بمعدل : | 0.20 يوميا | اخر زياره : | [+] | معدل التقييم: | | نقاط التقييم: | 10 | الإتصالات | الحالة: | | وسائل الإتصال: | | | المنتدى :
الحكواتي سوار أمي السوار العجيب..
زارتني سيدتي الأولى في بيتي ذات فقر ومسغبة، فرأيت في عينيها ما تمنيت أن تندك جبال الدنيا ولا أراه، رأيت رغبة بحجم مجرة درب التبانة في أن تساعد ابنها، أن تمد يد العون له في حقبة كان فيها لا يملك ثمن وقود لسيارته..
كانت أمي طيبة جداً، كل شيء فيها حنون، تنقصها أشياء كثيرة حتى تكون امرأة غنية، ولكن لا ينقصها شيء حتى تكون أماً..
كانت تملك ثلاثة أشياء: قلباً جيداً، ودعوات صادقة، وسواراً من ذهب..
ولما حانت لحظة الوداع.. نزعت سوارها الذهبي وأودعته جيبي، ومزجته بشيء من قلبها، ذلك الشيء كان أغلى من
الذهب..
بقيت ثلاثة أعوام تقريباً تُطوّح بي الظروف ذات اليمين وذات
الشمال، وذلك السوار يهمس في أذُني: «أنا بين يديك، متى ما
شئت أن تبيعني بعني» وتشتد الظروف، ويتحول الهمس إلى صراخ.. ولكني كنت متمسكا بالسوار العجيب، وكأنه يد أم تعبر
بطفلها شارع الحياة المزدحم..
كنت أنظر إليه على أنه أم في هيئة شيء، قلب في صورة سوار، دعوات ستستجاب بعد قليل..
وكلما رضتني المواقف، وحاصرني الخواء، وأمرتني الفاقة أن أبيع ذلك السوار، قالت لي الحكمة، والحنين أيضا: احتفظ به، ليكون دفئاً تشعر به، وأماناً تتلمّسه.. إن وجود هذا السوار هو وجود لأشياء تشبه حضن أمي، وقلب أمي، ودعوات أمي، وأمي..
كنت إذا أحاطت بي الظروف، تذكرت السوار فابتسمت..
وإذا شعرت أن جيبي ليس به إلا ثلاثة ريالات، تذكرت أن السوار موجود في بيتي فتفاءلت..
لم يعد السوار في نفسي قطعة ستتحول إلى مال إن بعتها، بل صار أنساً، وثباتاً، ودفئاً، وحباً، وأشياء أخرى..
وبعد ثلاث سنوات، فتح الله علي.. فوقفت أمام سيدتي وبيدي شيء ظنت أني قد بعته منذ زمن.. فإذا أنا أقدمه لها،
وأعيده إلى يدها الغالية.. وكان ماكان.
إن عطر الإنسان، وشذى الأم، وإكسير الرحمة قد حول ذلك السوار إلى دفء جعل أحلامي على الأقل - أجمل مما ينبغي أن تكون عليه..
في الزمن الذي كانت أمهات كثير من الشباب يهدینهم أغلى الساعات، وأفخم السيارات، وأجمل البيوت.. كانت أمي تنتزع سوارها لتسکت صوت فجيعة الأم بولدها المنهك وهيهات إنه عطر الإنسان حينما يحول الأشياء التي يظنها البعض
عادية، إلى كنوز تتضاءل اللغة عن وصفها..
علي جابر الفيفي
سوار أمي
توقيع : بلقيس الهاشمية | | |
| |