طاش ... تشويه شعب



د. عبدالله موسى الطاير

ربما كنا بحاجة إلى طاش لرؤية بعض أخطائنا مكبرة في المرآة، ولكن آخر ما تمنيناه أن يحولنا إلى مادة فكاهية تستدر ضحك وعطف وشفقة المشاهدين. فصورة السعودي فيه لا تختلف كثيرا عن صورته في الدراما المصرية القديمة خصوصا عندما تمر العلاقات السياسية بحالة من القلق، وهي الصورة الذهنية نفسها التي تفترش مساحات الصحف الشعبية عن السعوديين في مصر والمغرب ولبنان. كما أن صورة السعودي في طاش تقترب كثيرا من صورته كعربي في دراما هوليود، حيث اشتهر ببرميل النفط والجواري الحسان والمقامرة والشرب حتى الثمالة. كنا نشتاط غضبا عندما نشاهد تلك الصورة النمطية التي لا نعترف بها، وهي صورة لا يمكن تعميمها لا في ذلك الحين ولا في وقتنا هذا، وكان الذي ييسر علينا بلع الإهانة هو مخرج الإحالة إلى الغير على اعتبار أن الذين تصورهم تلك الوسائل هم في واقع الأمر طبقة مترفة لا تمثل السواد الأعظم من السعوديين. طاش ما طاش يرسم صورة عارية لنا بناء على أخطاء موجودة يرتكبها البعض، ثم يعممها على العالم كصورة نمطية أبدعها فنان سعودي يفترض أنه يعرفنا جيدا مما يعطيها مصداقية أكبر، وكل واحد منا ربما التفت إلى زميله أو صديقه وكأنه يقول: المشهد ينطبق عليك، وفي غمرة الضحك والإحالة ننسى أن الأمر مبالغ فيه والتجني واضح لاشك. وفي هذا العام أشعر بأن طاش قد استفاد كثيرا من مساحة الحرية التي توفرها له القناة التي يبث منها باعتبارها قناة خاصة. ولكنه في الوقت نفسه فقد ميزة مهمة وهي اعتقادنا السابق بأن طاش فريق درامي سعودي يبث في قناة سعودية ولذلك نعتبره من باب نقد الذات الذي نغفره لطاش بينما لا نغفره لقناة أو منتج آخر ينتج ويبث في قناة غير سعودية. في اعتقادي أن الأمر قد خرج عن حدود المقبول في طاش، فالمسألة لم تعد نقدا ذاتيا للسعوديين وقضاياهم بقدر ما تحول إلى إهانة للسعوديين واختزال بلد كامل في ممارسات خاطئة محدودة تضخم دراميا وتعمم نمطيا وعلينا أن نبقى ساكتين لأن طاش سوف يصلح مجتمعنا. ربما يكون هذا اعتقاد بعض الذين يرون أنه لا يمكن إصلاح المجتمع السعودي وتغيير ما فيه من عادات سيئة بدون تضخيم أخطائه، فيضحك ويبكي ويحزن على نفسه وبالتالي تولد لديه هذه الصدمة ردة فعل لتعديل سلوكه وتصحيح أخطائه. هذا الأسلوب لم أجده يستعمل مع مدمني الكحول في بلادنا الذين لو وضعوا أمام صورهم وهم في حالة سكر لساعد ذلك في إقلاعهم عنه، ولم أسمع أنه استخدم مع مدمني المخدرات، فلماذا يستخدم مع شعب بأكمله؟ ثم إذا كان الهدف النهائي هو الضحك وجلب عدد أكبر من المعلنين، وتضخيم الحسابات البنكية على حساب المواطن السعودي فإن الجرم سيكون أكبر ونحن بسكوتنا نعلن موافقتنا على أن نكون مضحكة الخليج والعالم العربي في رمضان.

الصورة المقززة للسعودي عموما في طاش وتلك المستعدية على المتدينين خصوصا تستحق أن نتوقف عندها فالأمر ليس نقدا ذاتيا ولا برنامجا علاجيا ولكنه ربح مادي بحت على حساب سمعة شعب. إذا كان المسؤلون السعوديون يرون مواطنهم بهذه البشاعة فهذا أمر مخز للغاية، وبدلا من نشر غسيلنا بهذه الوقاحة لماذا لا نبدأ برامج تعليمية وتدريبية وتأهيلية لإصلاح المجتمع، سيكون ذلك أكثر نفعا من طاش.