07-11-2010, 05:44 PM | المشاركة رقم: 1 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| المنتدى :
الإسلامي العام سنابل الخير المال مال الله عز وجل، وقد استخلف ـ تعالى ـ عباده فيه ليرى كيف يعملون، ثم هو سائلهم عنه إذا قدموا بين يديه: من أين جمعوه؟ وفيمَ أنفقوه؟ فمن جمعه من حله وأحسن الاستخلاف فيه فصرفه في طاعة الله ومرضاته أثيب على حسن تصرفه، وكان ذلك من أسباب سعادته، ومن جمعه من حرام أو أساء الاستخلاف فيه فصرفه فيما لا يحل عوقب، وكان ذلك من أسباب شقاوته إلا أن يتغمده الله برحمته. ومن هنا كان لزاماً على العبد ـ إن هو أراد فلاحاً ـ أن يراعي محبوب الله في ماله؛ بحيث يوطن نفسه على ألاَّ يرى من وجه رغَّب الإسلام في الإنفاق فيه إلا بادر بقدر استطاعته، وألاَّ يرى من طريق حرم الإسلام النفقة فيه إلا توقف وامتنع. وإن من أعظم ما شرع الله النفقة فيه وحث عباده على تطلُّب أجره: الصدقةَ (1) التي شرعت لغرضين جليلين: أحدهما: سد خَلَّة المسلمين وحاجتهم، والثاني: معونة الإسلام وتأييده(2). وقد جاءت نصوص كثيرة وآثار عديدة تبين فضائل هذه العبادة الجليلة وآثارها، وتُوجِد الدوافع لدى المسلم للمبادرة بفعلها. وهذه الفضائل والآثار كثيرة جداً تحتمل أن يفرد لها كتاب فضلاً عن أن ترسل في مقال؛ ولذا سأقتصر على أبرزها، وذلك فيما يلي: 1 ــ علو شأنها ورفعة منزلة صاحبها: الصدقة من أفضل الأعمال وأحبها إلى الله عز وجل؛ ودليل ذلك حديث ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً: "وإن أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على مؤمن، تكشف عنه كرباً، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً"(3)، وحديث: "من أفضل العمل: إدخال السرور على المؤمن: يقضي عنه ديناً، يقضي له حاجة، ينفس له كربة"(4). بل إن الصدقة لتباهي غيرها من الأعمال وتفخر عليها؛ وفي ذلك يقول عــمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه ـ: "إن الأعمال تتباهى فتقول الصدقة: أنا أفضلكم"(5). وهذه الرفعة للصدقة تشمل صاحبها؛ فهو بأفضل المنازل كما قال صلى الله عليه وسلم : "إنما الدنيا لأربعة نفر: عبد رزقه الله مالاً وعلماً فهو يتقي فيه ربه، ويصل فيه رحمه، ويعمل فيه حقاً فهذا بأفضل المنازل..." (6)، وهو صاحب اليد العليا كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "اليد العليا خير من اليد السفلى، واليد العليا هي المنفقة، واليد السفلى هي السائلة"(7)، وهو من خير الناس لنفعه إياهم وقد جاء في الحديث المرفوع: "خير الناس من نفع الناس(8)، وهو من أهل المعروف في الآخرة، ويدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "أهل المعروف في الدنيا هم أهل المعروف في الآخرة" (9). ولا تقتصر رفعة المتصدق على الآخرة بل هي شاملة للدنيا؛ فمن جاد ساد، ومن بخل رذل، بل قال محمد بن حبان: "كل من ساد في الجاهلية والإسلام حتى عرف بالسؤدد، وانقاد له قومه، ورحل إليه القاصي والداني، لم يكن كمال سؤدده إلا بإطعام الطعام وإكرام الضيف"(10)، والمتصدق ذو يد على آخذ الصدقة، بل إنه كما قيل: يرتهن الشكر ويسترق بصدقته الحر(11). ولذا كان ابن السماك يقول: "يا عجبي لمن يشتري المماليك بالثمن، ولا يشتري الأحرار بالمعروف" (12). 2 ــ وقايتها للمتصدق من البلايا والكروب: صاحب الصدقة والمعروف لا يقع، فإذا وقع أصاب متكأً (13)؛ إذ البلاء لا يتخطى الصدقة؛ فهي تدفع المصائب والكروب والشدائد المخوِّفة، وترفع البلايا والآفات والأمراض الحالَّة، دلت على ذلك النصوص، وثبت ذلك بالحس والتجربة. فمن الأحاديث الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "صنائع المعروف تقي مصارع السوء والآفات والهلكات" (14)، وقوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد ـ رضي الله عنه ـ: "وفعل المعروف يقي مصارع السوء" (15)، ومنها: حديث رافع بن خديج ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً: "الصدقة تسد سبعين باباً من السوء"(16). ومنها أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم حين هلع الناس لكسوف الشمس: "فإذا رأيتم ذلك فادعوا الله وكبروا وصلوا وتصدقوا" (17) قال ابن دقيق العيد في شرحه له: "وفي الحديث دليل على استحباب الصدقة عند المخاوف لاستدفاع البلاء المحذور"(18). كما أن الصدقة تحفظ البدن وتدفع عن صاحبها البلايا والأمراض، يدل لذلك حديث: "داووا مرضاكم بالصدقة"(19)، قال ابن الحاج: "والمقصود من الصدقة أن المريض يشتري نفسه من ربه ـ عز وجل ـ بقدر ما تساوي نفسه عنده، والصدقة لا بد لها من تأثير على القطع؛ لأن المخبر صلى الله عليه وسلم صادق، والمخبَر عنه كريم منان"(20)، وقد سأل رجل ابن المبارك عن قرحة في ركبته لها سبع سنين، وقد أعيت الأطباء فأمره بحفر بئر يحتاج الناس إليه إلى الماء فيه، وقال: أرجو أن ينبع فيه عين فيمسك الدم عنك(21)، وقد تقرح وجه أبي عبد الله الحاكم صاحب المستدرك قريباً من سنة فسأل أهل الخير الدعاء له فأكثروا من ذلك، ثم تصدق على المسلمين بوضع سقاية بنيت على باب داره وصب فيها الماء فشرب منها الناس، فما مر عليه أسبوع إلا وظهر الشفاء وزالت تلك القروح وعاد وجهه إلى أحسن ما كان(22). والأمــر كما قال المنــــاوي: "وقد جُـــرِّب ذلك ـ أي التداوي بالصدقة ـ فوجدوا الأدوية الروحانية تفعل ما لا تفعله الأدوية الحسية، ولا ينكر ذلك إلا من كثف حجابه"(23). وليس هذا فحسب؛ بل إن بعض السلف كانوا يرون أن الصدقة تدفع عن صاحبها الآفات والشدائد ولو كان ظالماً، قال إبراهيم النخعي: "كانوا يرون أن الصدقة تَدْفَع عن الرجل الظلوم"(24) . وفي المقابل فإن عدم الصدقة يجر على العبد المصائب والمحن؛ لحديث أنـس بـن مالك ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً وفيه أن جبريل قال ليعقوب ـ عليهما السلام ـ عن الله ـ عز وجل ـ: "أتدري لِمَ أذهبت بصرك وقوست ظهرك، وصنع إخوة يوسف ما صنعوا: إنكم ذبحتم شاة، فأتاكم مسكين يتيم وهو صائم فلم تطعموه منه شيئاً"(25). 3 ــ عظم أجرها ومضاعفة ثوابها: يربي الله الصدقات، ويضاعف لأصحابها المثوبات، ويعلي الدرجات.. بهذا تواترت النصوص وعليه تضافرت؛ فمن الآيات الكريمات الدالة على أن الصـدقـة أضعاف مضاعفة وعنـد الله مـزيـد قـوله ـ تعالى ـ: إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم {الحديد: 18} والتي أوضحت بأن "المتصدقين والمتصدقات لا يتفضلون على آخـذي الصدقات، ولا يتعاملون في هذا مع الناس، إنما هم يقرضون الله ويتعاملون مباشرة معه، فأي حافز للصدقة أوقع وأعمق من شعور المعطي بأنه يقرض الغني الحميد، وأنه يتعامل مع مالك الوجود؟ وأن ما ينفقه مُخْلَف عليه مضاعف، وأن له بعد ذلك كله أجراً كريماً"(26). ومنها: قوله ـ تعالى ـ: من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة {البقرة: 245} قال الجصاص مبيناً علة تسمية الله للصدقة قرضاً: "سماه الله قرضاً تأكيداً لاستحقاق الثواب به؛ إذ لا يكون قرضاً إلا والعوض مستحق به"(27)، وعلل ذلك ابن القيم بأن "الباذل متى علم أن عين ماله يعود إليه ولا بد؛ طوعت له نفسه، وسهل عليه إخراجه، فإن علم أن المستقرض مليء وفيّ محسن، كان أبلغ في طيب فعله وسماحة نفسه، فإن علم أن المستقرض يتجر له بما اقترضه، وينميه له ويثمره حتى يصير أضعاف ما بذله كان بالقرض أسمح وأسمح، فإن علم أنه مع ذلك كله يزيده بعطائه أجراً آخر من غير جنس القرض... فإنه لا يتخلف عن قرضه إلا لآفة في نفسه من البخل أو الشح أو عدم الثقة بالضمان"(28). ومنها: قوله ـ عز وجل ـ: مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم {البقرة: 261} والتي لها أثر عظيم في دفع العبد إلى الصدقة؛ إذ يضاعف الله له بلا عدة ولا حساب، من رحمته ـ سبحانه ـ ورزقه الذي لا حدود له ولا مدى(29). ومن الأحاديث الدالة على عظم أجر الصدقة: قوله صلى الله عليه وسلم : "ما تصدق أحد بصدقة من طيب ـ ولا يقبل الله إلا الطيب ـ إلا أخذها الرحمن بيمينه ـ وإن كان تمرة ـ فتربو في كف الرحمن حتى تكون أعظم من الجبل؛ كما يربي أحدكم فُلُوَّه أو فصيله"(30)(31)، قال ابن حجر: "الصدقة نتاج العمل، وأحوج ما يكون النتاج إلى التربية إذا كان فطيماً، فإذا أحسن العناية به انتهى إلى حد الكمال، وكذلك عمل ابن آدم ـ لا سيما الصدقة ـ فإن العبد إذا تصدق من كسب طيب لا يزال نظر الله إليها يكسبها نعت الكمال حتى تنتهي بالتضعيف إلى نصاب تقع المناسبة بينه وبين ما قدم نسبة ما بين التمرة إلى الجبل... والظاهر أن المراد بعظمها: أن عينها تعظم لتثقل في الميزان، ويحتمل أن يكون ذلك معبراً به عن ثوابها" (32)، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : "من أنفق نفقة في سبيل الله كتب له سبع مئة ضعف"(33) قال المباركفوري: "وهذا أقل الموعود، والله يضاعف لمن يشاء"(34)، وحديث أبي مسعود الأنصاري ـ رضي الله عنه ـ أن رجلاً جاء بناقة مخطومة(35) فقال: "هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لك بها يوم القيامة سبع مئة ناقة كلها مخطومة"(36) واستطعم مسكين عائشة ـ رضي الله عنها ـ وبين يديها عنب، فقالت لإنسان: "خذ حبة فأعطه إياها، فجعل ينظر إليها ويعجب، فقالت عائشة: أتعجب؟ كم ترى في هذه الحبة من مثقال ذرة؟!"(37)، قال يحيى بن معاذ: "ما أعرف حبة تزن جبال الدنيا إلا من الصدقة"(38). 4 ــ إطفاؤها الخطايا وتكفيرها الذنوب: جعل الله الصدقة سبباً لغفران المعاصي وإذهاب السيئات والتجاوز عن الهفوات، دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، ومنها: قوله ـ تعالى ـ : إن الحسنات يذهبن السيئات {هود: 114} والذي هو نص عام يشمل كل حسنة وفعل خير، والصـدقـة مـن أعظــم الحسنات والخيرات فهـي داخـلة فيـه بالأولويــة(39)، وقــوله ـ سبحانه ـ: إن المسلمـــين والمسـلـمـــات... والمتصـدقــين والمتصدقــات... أعد الله لهـــم مغفــرة وأجــرا عظيما {الأحــــزاب: 35} وقوله ـ عــز وجــل ـ: وسارعوا إلى" مغفرة من ربكم وجنة عرضها السمـوات والأرض أعـدت للمتقـين 133 الذيـن ينفقـون في السـراء والضـراء والكاظمـين الغيـظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين {آل عمران: 133، 134} والتي أفادت أن من أول وأجلِّ ما تنال به مغفرة الله للخطايا وتجاوزه عن الذنوب: الإنفاق في مراضيه سبحانه. ومن النصوص الدالة على ذلك أيضاً: قوله صلى الله عليه وسلم : "تصدقوا ولو بتمرة؛ فإنها تسد من الجائع، وتطفئ الخطيئة كما يطفئ الماء النار"(40)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "والصدقة تطفئ الخطيئة كما يذهب الجليد على الصفا"(41)، وما أخرجه البخاري في صحيحه في باب: الصدقة تكفر الخطيئة من حـديث حذيفـة ـ رضي الله عنه ـ وفيه: "فتنة الرجل في أهله وماله وولده وجاره تكفرها الصلاة والصدقة والمعروف"(42)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر التجار: إن الشيطان والإثم يحضران البيع؛ فشوبوا بيعكم بالصدقة"(43)، ومعناه أن التاجر: "قد يبالغ في وصف سلعته حتى يتكلم بما هو لغو، وقد يجازف في الحلف لترويج سلعته؛ فيندب إلى الصدقة ليمحو أثر ذلك"(44)، وقال محمد بن المنكدر: "من موجبات المغفرة: إطعام المسلم السغبان". قال بعض أهل العلم عقب إيراده له: "وإذا كان الله ـ سبحانه ـ قد غفر لمن سقى كلباً على شدة ظمئه فكيف بمن سقى العطاش، وأشبع الجياع، وكسا العراة من المسلمين؟"(45). ولاستفاضة النصوص في كون الصدقة مكفرة للذنوب وماحية للخطايا استحب بعض أهل العلم الصدقة عقب كل معصية(46)، ولعل مستندهم في ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "وأتبع السيئة الحسنة تمحها"(47)، والصدقة من كبار الحسنات ورؤوس الطاعات؛ فهي داخلة في عموم النص قطعاً. 5 ــ مباركتها المال وزيادتها الرزق: تحفظ الصدقة المال من الآفات والهلكات والمفاسد، وتحل فيه البركة، وتكون سبباً في إخلاف الله على صاحبها بما هو أنفع له وأكثر وأطيب(48)، دلت على ذلك النصوص الثابتة والتجربة المحسوسة؛ فمن النصوص الدالة على أن الصدقة جالبة للرزق قول الذي ينابيع خزائنه لا تنضب وسحائب أرزاقه لا تنقطع واعداً من أنفق في طاعته بالخلف عليه: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين {سبأ: 39}، قال ابن عاشور في تفسيره: "وأكد ذلك الوعد بصيغة الشرط، وبجعل جملة الجواب اسمية، وبتقديم المسند إليه علـى الخبر الفعلي بقـوله: فهــو يخلفـه، ففـي هذا الوعد ثلاث مؤكدات دالة على مزيد العناية بتحقيقه... وجملة: وهو خير الرازقين تذييل للترغيب والوعد بزيادة أن ما يخلفه أفضل مما أنفقه المنفق"(49)، وقال العلاَّمة السعدي: "قوله: وما أنفقتم من شيء نفقة واجبة أو مستحبة، على قريب أو جار أو مسكين أو يتيم أو غير ذلك فهو تعالى يخلفه فلا تتوهموا أن الإنفاق مما ينقص الرزق، بل وعد بالخلف للمنفق الذي يبسط الرزق ويقدر"(50)، وما أجمل مقولة بعضهم: "أنفق ما في الجيب يأتك ما في الغيب"(51). ومن النصوص الدالة أيضاً على أن الصدقة بوابة للرزق ومن أسباب سعته واستمراره وتهيؤ أسبابه، وأنها لا تزيد العبد إلا كثرة قوله ـ تعالى ـ: لئــن شكــرتـم لأزيـدنكــم {إبـراهيـــم: 7} إذ الصدقة غاية في الشكر، وقوله ـ عز وجل ـ في الحديث القدسي: "يا ابن آدم أَنفقْ أُنفقْ عليك"(52)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "ما فتح رجل باب عطية بصدقة أو صلة إلا زاده الله بها كثرة"(53)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "ما من يوم يصبح العباد فيه إلا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللهم أعط منفقاً خلفاً، ويقول الآخر: اللهم أعط ممسكاً تلفاً"(54). كما يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "بينا رجل بفلاة من الأرض فسمع صوتاً في سحابة: اسق حديقة فلان، فتنحى ذلك السحاب فأفرغ ماءه في حرة(55)؛ فإذا شرجة(56) قد استوعبت ذلك الماء كله، فتتبع الماء فإذا رجل قائم في حديقته يحول الماء بمسحاته(57)، فقال له: يا عبد الله! ما اسمك؟ قال: فلان ـ للاسم الذي سمع في السحابة ـ، فقال له: يا عبد الله لِمَ تسألني عن اسمي؟ فقال: إني سمعت صوتاً في السحاب الذي هذا ماؤه يقول: اسق حديقة فلان ـ لاسمك ـ فماذا تصنع فيها؟ قال: أما إذ قلتَ هذا؛ فإني أنظر إلى ما يخرج منها فأتصدق بثلثه، وآكل أنا وعيالي ثلثه، وأرد فيها ثلثه" وفي رواية: "وأجعل ثلثه في المساكين والسائلين وابن السبيل"(58). وفي المقابل جاءت نصوص عديدة ترد على فئام من الخلق ـ ممن رق دينهم أو ثخنت أفهامهم ـ ظنوا أن الصدقة منقصة للمال، جالبة للفقر، مسببة للضيعة، فأبانت أن الصدقة لا تنقص مال العبد، وأن شحه به هو سبب حرمان البركة وتضييق الرزق وإهلاك المال وعدم نمائه، ومن هذه النصوص قوله صلى الله عليه وسلم : "ما نقصت صدقة من مال"(59)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "ثلاث أقسم عليهن وأحدثكم حديثاً فاحفظوه، فأما الثلاث التي أقسم عليهن: فإنه ما نقص مال عبد من صدقة..."(60)، وقوله صلى الله عليه وسلم لأسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنهما ـ حين قالت له: ما لي مال إلا ما أدخل عليَّ الزبير فقال لها: "أنفقي ولا تحصي فيحصي الله عليك، ولا توعي فيوعي الله عليك"(61). والتجربة المحسوسة تثبت أن "المعونة تأتي من الله للعبد على قدر المؤونة"(62)، وأن رزق العبد يأتيه بقدر عطيته ونفقته؛ فمن أَكثر أُكثر له، ومن أقل أُقِل له، ومن أمسك أُمسِك عليه(63)، وقد نص غير واحد من العارفين أن ذلك مجرب محسوس(64)، ومن شواهد ذلك قصة عائشة ـ رضي الله عنها ـ أن مسكيناً سألها وهي صائمة وليس في بيتها إلا رغيف فقالت لمولاتها: أعطيه إياه، فقالت: ليس لك ما تفطرين عليه! فقالت: أعطيه إياه! قالت: ففعلت، قالت: فلما أمسينا أهـدى لنا أهـل بيـت أو إنســان ـ ما كان يهدي لنا ـ شاة وكفَّنها(65)، فدعتني فقالت: كلي من هذا، هذا خير من قرصك"(66). والقضية مرتبطة بالإيمان ومتعلقة باليقين، والأمر كما قال الحسن البصري: "من أيقن بالخلف جاد بالعطية"(67). 6 ــ أنها وقاية من العذاب وسبيل لدخول الجنة: الصدقة والإنفاق في سبل الخير فدية للعبد من العــذاب، وتخليـص له وفكــاك مـن العقاب، ومثلها ـ كما في الحديث ـ: "كمثل رجل أسره عدو، فأوثقوا يده إلى عنقه، وقدموه ليضربوا عنقه، فقال: أنا أفتدي منكم بالقليل والكثير؛ ففدى نفسه منهم"(68)، وقد كثرت النصوص المبينة بأن الصدقة ستر للعبد وحجاب بينه وبين العذاب، ومن هذه النصوص: حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في إثبات نعيم القبر وعذابه والذي تضمن إخباره صلى الله عليه وسلم بأن الصدقة وأعمال البر تدفع عن صاحبها عذاب القبر؛ إذ قال صلى الله عليه وسلم : "إن الميت إذا وضع في قبره إنه يسمع خفق نعالهم حين يولُّون عنه؛ فإن كان مؤمناً كانت الصلاة عند رأسه، وكان الصيام عن يمينه، وكانت الزكاة عن شماله، وكان فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس عند رجليه، فيؤتى من قِبَلِ رأسه، فتقول الصلاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يمينه، فيقول الصيام: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى عن يساره فيقول الزكاة: ما قِبَلي مدخل، ثم يؤتى من قِبَل رجليه فتقول فعل الخيرات من الصدقة والصلة والمعروف والإحسان إلى الناس: ما قِبَلي مدخل... "(69). ومنها: الأحاديث التي تضمنت التهديد والوعيد لأصحاب الثراء كقوله صلى الله عليه وسلم : "هلك المكثرون، إلا من قال هكذا وهكذا وهكذا ـ ثلاث مرات: حثا بكفيه عن يمينه وعن يساره وبين يديه ـ، وقليل ما هم"(70)، وفي رواية: "ويل للمكثرين..."(71)، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : "من أعتق رقبة مسلمة كانت فكاكه من النار عضواً بعضو"(72)، وحديث أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ وفيه قوله صلى الله عليه وسلم : "يا معشر النساء تصدقن؛ فإني رأيتكن أكثر أهل النار، فقلن: وبِمَ يا رسول الله؟ قال: تكثرن اللعن، وتكفرن العشير"(73)، قال ابن حجر في شرحه: "وفيه أن الصدقة تدفع العذاب، وأنها قد تكفِّر الذنوب بين المخلوقين"(74) وقال الشوكاني في ثنايا تعداده لفوائد الحديث: "ومنها: أن الصدقة من دوافع العذاب؛ لأنه علل بأنهن أكثر أهل النار لما يقع منهن من كفران النعم وغير ذلك"(75). وقد كثر حض النبي صلى الله عليه وسلم أمته على اتخاذ أحدهم الصدقة ـ مهما قلَّت ـ حجاباً بينه وبين النار فقال صلى الله عليه وسلم في حديث عدي بـن حاتم ـ رضـي الله عنه ـ: "ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه فلا يرى إلا ما قدم من عمله، وينظر أشأم منه فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه، فاتقوا النار ولو بشق تمرة"(76)، وفي رواية: "من استطاع منكم أن يستتر من النار ولو بشق تمرة فليفعل"(77)، وقال صلى الله عليه وسلم : "اجعلوا بينكم وبين النار حجاباً ولو بشـق تمــرة"(78)، وقال صلى الله عليه وسلم : "يا عائشة استتري من النار ولو بشق تمرة؛ فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان"(79). ولا يقتصر أثر الصدقة والإنفاق على دفع حر القبور والخلاص من لهيب جهنم بل إنها من أسباب دفع الخوف والحزن عن العبد وتحصيله للأمن، ومن السبل العظيمة لدخوله الجنة، ومن النصوص الـدالة علــى ذلك قوله ـ تعالى ـ: الذيـن ينفقــون أموالهم بالليل والنهار سرا وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون {البقرة: 274} والذي يعم جميع النفقات في طاعة الله وطرق مرضاته ـ سواء أكانت للفقراء والمعوزين أم في سبيل رفعة الدين ونصرته ـ ويشمل جميع الأوقات والحالات(80). وقوله ـ عز وجل ـ: وسارعوا إلى" مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعـدت للمتقــين 133 الذيــــن ينفقـــــون فــي الســـراء والضراء... {آل عمران: 133، 134} والذي جلَّى الله فيه صفة أهل الجنة، وأبان بأن من أجلِّ سماتهم التي تؤهلهم لدخول الجنة الإنفاق في مراضيه سبحانه والإحسان إلى خلقه بأنواع البر(81). ومن النصوص النبوية الدالة على أن الصدقة من أسباب دخول الجنة قوله صلى الله عليه وسلم : "أربعون خصلة أعلاها منيحة العنز (82) ما من عامل يعمل بخصلة منها رجاء ثوابها وتصديق موعودها إلا أدخله الله بها الجنة"(83). ولا يتوقف أثر الصدقة على هذا فحسب بل الأمر أعظم جداً من ذلك؛ إذ يبادر خزنة كل باب من أبواب الجنة: لدعوة المتصدق كل يريده أن يدخل من قِبَله، وللجنة باب يقال له: باب الصدقة، يدخل منه المتصدقون؛ لحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "من أنفق زوجين(84) في سبيل الله(85) نودي من أبواب الجنة: يا عبد الله هذا خير ـ إلى أن قال ـ ومن كان من أهل الصدقة دعي من باب الصدقة.."(86) وقد أبان العيني أن المراد بالصدقة هنا: النافلة؛ لأن الزكاة الواجبة لا بد منها لجميع من وجبت عليه من المسلمين، ومن ترك شيئاً منها فيخاف عليه أن ينادى من أبواب جهنم(87). 7 ــ أنها دليل صدق الإيمان وقوة اليقين وحسن الظن برب العالمين: المال ميال بالقلوب عن الله؛ لأن النفوس جبلت على حبه والشح به، فإذا سمحت النفس بالتصدق به وإنفاقه في مرضاة الله ـ عز وجل ـ كان ذلك برهاناً على صحة إيمان العبد وتصديقه بموعود الله ووعيده، وعظيم محبته له؛ إذ قدم رضاه ـ سبحانه ـ على المال الذي فطر على حبه(88)، ويدل على هذا الأمر قوله صلى الله عليه وسلم : "والصدقة برهان"(89)، ومعناه: أنها دليل على إيمان فاعلها؛ فإن المنافق يمتنع منها لكونه لا يعتقدها، فمن تصدق استدل بصدقته على صدق إيمانه(90)، قال المناوي: "(والصدقة برهان) حجة جلية على إيمان صاحبها أو أنه على الهدى أو الفلاح، أو لكون الصدقة تنجيه عند الحساب كما تنجي الحجة عند المحاكمة، وقال القزويني: الصدقة برهان على جزم المتصدق بوجود الآخرة وما تتضمنه من المجازاة؛ لأن المال محبوب للنفوس المتصفة بالخواص الطبيعية؛ فلا يقدر على بذل المال ما لم يصدق بانتفاعها فيما بعد بثمرات ما يبذله، وفوزها بالعوض وحصول السلامة من ضرر متوقع بسبب فعل قُرِنت به عقوبة"(91). والصدقة بطيب نفس تورث القلب حلاوة الإيمان، وتذيق العبد طعمه، وتعمق يقينه بالله عـز وجل، وتخلص توكله عليه، وتوجب ثقته بالله وحسن الظن به(92)؛ لأن من استنار صدره، وعلم غنى ربه وكرمه ـ عز وجل ـ عظم رجاؤه وهانت الدنيا في عينه فأنفق ولم يخَفِ الإقلال، ويشهد لصحة ذلك قول أعظم الموقنين وإمام المتوكلين وأجلّ من أحسن الظن بـرب العالمين لبلال ـ رضـي الله عنه ـ حين ادخر شيئاً ولم ينفقه: "أنفق يا بلال، ولا تخش من ذي العرش إقلالاً"(93)، قال القرطبي بعد أن أبان بأن عدم الإنفاق وترك الصدقة خوف الإقلال من سوء الظن بالله: "فإن كان العبد حسن الظن بالله لم يخفِ الإقلال؛ لأنه يخلف عليه كما قال ـ تعالى ـ: وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه وهو خير الرازقين {سبأ: 39}"(94). 8 ــ تخليتها النفس من الرذائل وتحليتها لها بالفضائل: تطهر الصدقة النفس من الرذائل وتنقيها من الآفات، وتقيها من كثير من دواعي الشيطان ورجسه، ومن ذلك: أنها تبعد العبد عن صفة البخل وتخلصه من داء الشح الذي أخبر ـ سبحانه ـ بأن الوقاية منه سبب للفلاح وذلك في قوله ـ عز وجل ـ: ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون {الحشر: 9}، ويُذهِب الله بها داء العجب بالنفس والكبر والخيلاء على الآخرين والفخر عليهم بغير حق، كما أنها من مسببات عدم حب الذات حباً مذموماً، ومن دواعي نبذ الأثرة والأنانية، وعدم الوقوع في شيء من عبودية المال وتقديسه وهو ما دعا على فاعله النبي صلى الله عليه وسلم بالتعاسة والانتكاسة فقال: "تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة... تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش"(95). وفي المقابل فالصدقة تهذب الأخلاق وتزكي النفس وتربي الروح على معالي الأخلاق وفضائلها؛ إذ فيها تدريب على الجود والكرم، وتعويد على البذل والتضحية وإيثار الآخرين، وفيها سمو بالعبد وانتصار له على نفسه الأمارة بالسوء، وإلجام لشيطانه، وإعلاء لهمته؛ إذ تُعلق العبد بربه وتربطه بالدار الآخرة، وتزهده بالدنيا؛ وتضعف تَعلُّق قلبه بها. ويدل لذلك قوله ـ تعالى ـ: خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها {التوبة: 103}(96)؛ إذ في قوله: تطهرهم إشارة إلى مقام التخلية من الرذائل والذنوب والأخلاق السيئة، وفي قوله: وتزكيهــم إشـارة إلى مقـام التحلية بالفضـائل والحسنات والأعمال الصالحة(97). كما يدل لذلك أيضاً قوله ـ عز وجل ـ: يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأطهر {المجادلة: 12} والذي أبان الله فيه بأن الصدقة سبب لنيل الخيرية وطهرة للنفس من الأدناس وتخلية لها من الرذائل(98). ولو لم يكن في الصدقة إلا أنها تعلق النفس بالقربات، وتشغلها بالطاعات، كما قال بعض السلف: "إن من ثواب الحسنة الحسنة بعدها، وإن من جزاء السيئة السيئة بعدها"(99) ـ والصدقة من أعظم الحسنات وأجلِّها ـ لكفى بذلك فضلاً. 9 ــ أنها بوابة لسائر أعمال البر: جعل الله الصدقة والإنفاق في مرضاته مفتاحاً للبر(100) وداعية للعبد إلى سائر أنواعه؛ وذلك لأن المال من أعظم محبوبات النفس؛ فمن قدم محبوب الله على ما يحب فأعطى ماله المحتاجين ونصر به الديـن وفقـه الله لأعمـال صالحـة وأخـلاق فاضـلة لا تحصل له بدون ذلك، وآتاه أسباب التيسير بحيث يتهيأ له القيام ببقية أعمال البر فلا يستعصي شيء منها عليه، يدل لذلك قوله ـ تعالى ـ: فأما من أعطــى" واتقـــى" 5 وصــدق بالحسنى" 6 فسنيسره لليسرى" {الليل: 5 - 7} قال السعدي في تفسيره: " فسنيسره لليسرى: أي: نيسر له أمره، ونجعله مسهلاً عليه كل خير، ميسراً له ترك كل شر؛ لأنه أتى بأسباب التيسير، فيسر الله له لذلك"(101). وقد أوضح الله هذا الأمر وجلاَّه في قوله ـ عز وجل ـ: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون {آل عمران: 92} أي: لن تنالوا حقيقة البر الذي يتنافس فيه المتنافسون، ولن تدركوا شأوه، ولن تلحقوا بزمرة الأبرار حتى تنفقوا مما تَهْوَوْن من أموالكم ومن أعجبها إلى أنفسكم(102). وقد فقه الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ هذا التوجيه الرباني فحرصوا على نيل البر وكمال الخير بالنزول عما يحبون وببذل الطيب من المال نصرة للدين وسداً لحاجة المساكين، سخية به نفوسهم طمعاً في ثواب الله وإحسانه(103)، فكان الواحد منهم إذا ازداد حبه لشيء بذله لله رجاء نيل البر؛ فهذا أبو طلحة ـ رضي الله عنه ـ كان أكثر الأنصار بالمدينة مالاً، وكان أحب أمواله إليه حديقة يقال لها: بيرحاء، فلما نزلت هذه الآية: لن تنالوا البر حتى" تنفقــوا مما تحبـــون {آل عمران: 92} قام إلى رســـول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "إن الله يقول في كتابه: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون وإن أحب أموالي إليَّ بيرحاء، وإنها صدقة لله أرجو برها وذخرها عند الله، فضعها يا رسول الله حيث شئت... "(104)، وقال زيد بن حارثة لما نزلت هذه الآية: "اللهم إنك تعلم أنه ليس لي مال أحب إلي من فرسي هذه"، وجاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه في سبيل الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : قد قبلها الله منك"(105)، "وكتب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعري أن يبتاع له جارية من جلولاء يوم فتحت مدائن كسرى في قتال سعد بن أبي وقاص، فدعا بها عمر بن الخطاب فأعجبته فقال: إن الله يقول: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون فأعتقها"(106). وقال عبد الله بن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: "تلوت هذه الآية: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون فذكرت ما أعطاني الله فما وجدت شيئاً أحب إليَّ من جاريتي رضية فقلت: هي حرة لوجه الله"(107)، ومرة كان راكباً على راحلة عظيمة فأعجبته فأناخها وجعلها لله تعالى (108) . وعلى هذا الدرب سار كثير من سلف الأمة وصالحيها؛ فهذا الربيع بن خثيم كان إذا جاءه السائل يقول لأم ولده: يا فلانة! أعطي السائل سُكَّراً؛ فإن الربيع يحب السُّكَّر. قال سفيان: يتأول قوله ـ عز وجل ـ: لن تنالوا البر حتى" تنفقوا مما تحبون (109)، وروي عن عمر بن عبد العزيز أنه كان يشتري أعدالاً من سُّكَّر ويتصدق بها، فقيل له: هلاَّ تصدقت بقيمتها؟ فقال: لأن السُّكَّر أحب إليَّ؛ فأردت أن أنفق مما أحب (110). وكان لزوجة عمر بن عبد العزيز جارية بارعة الجمال، وكان عمر راغباً فيها، وكان قد طلبها منها مراراً فلم تعطه إياها، ثم لما ولي الخلافة زينتها وأرسلتها إليه، فقالت: قد وهبتكها يا أمير المؤمنين فلتخدمك، قال: من أين ملكتِها، قالت: جئت بها من بيت أبي عبد الملك، ففتش عن كيفية تملكه إياها، فقيل: إنه كان على فلان العامل ديون فلما توفي أُخذت من تركته، ففتش عن حال العامل وأحضر ورثته وأرضاهم جميعاً بإعطاء المال، ثم توجه إلى الجارية ـ وكان يهواها هوى شديداً ـ فقال: أنت حرة لوجه الله تعالى(111). فهذا هدي السلف؛ فهل من متأس بهم وسائر على نهجهم ؟! 10 ــ إدراك المتصدق أجر العامل: ما أسعد المتصدقين! إذ دلت النصوص الثابتة على أن صاحب المال يدرك بتصدقه وإنفاقه من ثواب عمل العامل بمقدار ما أعانه عليه حتى يكون له مثل أجره متى استقل بمؤونة العمل من غير أن ينقص ذلك من أجر العامل شيئاً، ومن هذه النصوص الدالة على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "من فطَّر صائماً كتب له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء"(112)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من جهز غازياً فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا"(113)، ومعناه: أنه مثله في الأجر ما دام قد أتم تجهيزه أو قام بكفاية من يخلفه بعده(114)، وجاء الحديث عند البيهقي بلفظ: "من جهز حاجاً أو جهز غازياً أو خلفه في أهله أو فطَّر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجره شيئاً"(115). والأمر غير مقصور على هذه العبادات بل شامل لجميع الطاعات؛ فمن أعان عليها كان له مثل أجر فاعلها(116). فيا من يستطيع أن يجاهد وهو قاعد، ويصوم وهو آكل شارب، ويعلِّم القرآن، وينشر الخير، ويدعو إلى الله في كل مكان وهو في بيته لم يباشر من ذلك شيئاً لا تَحْرم نفسك الأجر ولا تمنعها الثواب، واعمل بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم لك حين قال: "اغتنم خمساً قبل خمس ـ وذكر منها ـ: وغناك قبل فقرك"(117)، واعلم بأن المال زائل والعمل باق؛ إذ لم يخلد أحد مع ماله، ولم يدخل مالٌ القبر مع صاحبه، بل هو وديعة لديك، ولا بد من أخذها منك، فما بالك تغفل عن ذلك؟!
أخر تعديل بواسطة الهاشمية القرشية ، 07-11-2010 الساعة 05:55 PM | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
07-11-2010, 05:48 PM | المشاركة رقم: 2 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
الهاشمية القرشية المنتدى :
الإسلامي العام رد: سنابل الخير هذه هوامش المقال ما كان عندي رغبه لوضعه لكن وقع في نفسي لعل أحد يستفيد منها بالرجوع لبعض المراجع للاستزادة والفائدة ---------------------------------------------------- 1) الصدقة: هي النفقة التي يطلب بها الأجر، وتطلق على الفرض والنفل، إلا أن عرف الاستعمال في الشرع جرى في الفرض بلفظ الزكاة، وفي النفل بلفظ الصدقة، انظر: المفردات، للراغب: 480، والتوقيف على مهمات التعاريف، للمناوي: 452، 453. (2) انظر: جامع البيان، للطبري: 10 - 163، أحكام القرآن، لابن العربي: 1-230. (3) قضاء الحوائج، لابن أبي الدنيا: 40 رقم: 36، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1 - 97 رقم: 176. (4) شعب الإيمان، للبيهقي: 6-123 رقم: 7679، وصححه الألباني في صحيح الجامع : 2- 1025 رقم: 5897. (5) صحيح ابن خزيمة: 4- 95 رقم: 2433، المستدرك، للحاكم: 1 - 416 وقال: (هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه). (6) جامع الترمذي: 4- 562، 563 رقم: 2325، وقال: (حسن صحيح)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي: 2-270 رقم: 1894. (7) صحيح مسلم: 1-717 رقم: 1033. (8) شعب الإيمان، للبيهقي: 6- 117 رقم: 7658، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1- 623 رقم: 3289. (9) الأدب المفرد، للبخاري: 86 رقم: 221، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-407 رقم: 2031. (10) روضة العقلاء، لابن حبان: 214. (11) انظر: الآداب الشرعية، لابن مفلح: 1-310. (12) روضة العقلاء، لابن حبان: 195. (13) انظر: الآداب الشرعية، لابن مفلح: 1-310. (14) المستدرك، للحاكم: 1-124، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-707 رقم: 3795. (15) شعب الإيمان، للبيهقي: 3-244 رقم: 3442، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-702 رقم: 3760. (16) المعجم الكبير، للطبراني: 4-274 رقم: 4402، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 3 -109 وقال: (وفيه حماد بن شعيب وهو ضعيف)، وأورده ابن حجر الهيتمي في الزواجر: 1-318، 319 ضمن أحاديث أفاد بأنها صحيحة إلا قليلاً منها فإنه حسن، والظاهر أن هذا الحديث حسن بشواهده، وانظر: المقاصد الحسنة، للسخاوي: 260 ـ 261 رقم: 618، وكشف الخفاء، للعجلوني: 2-28 ـ 29 رقم: 1953. (17) صحيح البخاري، فتح 2-615 رقم: 1044. (18) إحكام الأحكام، لابن دقيق العيد:2-141. (19) شعب الإيمان للبيهقي: 3-282 رقم: 3558، وأفاد المنذري في الترغيب والترهيب: 1-520 أنه روي مرفوعاً ومرسلاً قال: (والمرسل أشبه)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-634 رقم: 3358. (20) المدخل، لابن الحاج: 4- 141 ـ 142. (21) انظر: الزواجر، لابن حجر الهيتمي: 1-321. (22) انظر: الزواجر، لابن حجر الهيتمي: 1-321 ـ 322. (23) فيض القدير، للمناوي:3-515. (24) شعب الإيمان، للبيهقي: 3-283 رقم: 3559. (25) المستدرك، للحاكم: 2-348 وصححه ووافقه الذهبي. (26) في ظلال القرآن، لسيد قطب: 6-3490. (27) أحكام القرآن، للجصاص: 1-616. (28) طريق الهجرتين، لابن القيم: 538 ـ 539. (29) انظر: في ظلال القرآن، لسيد قطب: 1-306، وراجع: إعلام الموقعين، لابن القيم: 1-141، 142. (30) الفلو: ولد الفرس إذا فطم عن أمه، والفصيل ولد الناقة إذا فصل عن الرضاع. انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس: 4-447، 4-505. (31) البخاري، فتح 3- 326 رقم: 1410، مسلم: 1-702 رقم: 1014واللفظ له. (32) الفتح: 3-328 ، 329. (33) المسند: 31-196، 197 رقم: 18900، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-1054 رقم: 6110. (34) تحفة الأحوذي: 5- 254. (35) مخطومة: أي عليها خطام وهو مثل الزمام، انظر: إكمال المعلم بفوائد مسلم، للقاضي عياض: 6-315. (36) مسلم: 2-1505 رقم: 1892. (37) الموطأ: 2-997، وانظر: التمهيد، لابن عبد البر: 4-302. (38) المستطرف، للأبشيهي: 1-25. (39) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 4-355، وفي ظلال القرآن، لسيد قطب: 4-1932. (40) مسند الشهاب: 1-95 رقم: 104، والزهد، لابن المبارك: 229 رقم: 651، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-568 رقم: 2951. (41) صحيح ابن حبان: 12-378 ـ 379 رقم: 5567، وصححه المحقق، وحسنه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1-363 رقم: 861. (42) البخاري، فتح 3-353 رقم: 1435. (43) جامع الترمذي: 3-514 رقم: 1208 وقال: حسن صحيح، وصححه الألباني في صحيح الترمذي: 2-4 رقم: 966. (44) المبسوط، للسرخسي: 15-115. (45) عدة الصابرين، لابن القيم: 255. (46) انظر: مغني المحتاج، للشربيني: 3-123، غاية المحتاج، للرملي: 6- 176. (47) جامع الترمذي: 4-355 رقم: 1987 وقال: (حسن صحيح)، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-81 رقم: 97. (48) انظر: شرح الزرقاني، للموطأ: 4-549، سبل السلام، للصنعاني: 4- 208. (49) التحرير والتنوير، لابن عاشور: 12- 220. (50) تيسير الكريم، الرحمن للسعدي: 681. (51) كشف الخفاء، للعجلوني: 1-245 رقم: 641. (52) البخاري، فتح 8-202 رقم: 2684، مسلم: 1-690 رقم: 993 واللفظ له. (53) شعب الإيمان، للبيهقي: 3-233، 234 رقم: 2413، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-986 رقم: 5646. (54) البخاري، 3-357 رقم: 1442، مسلم: 1-700 رقم: 1010. (55) الحرة: أرض بها حجارة سود كثيرة، وانظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس: 7- 2. (56) الشرجة: مسيل الماء إلى الأرض السهلة، وانظر: تاج العروس، للزبيدي: 3- 413. (57) المسحاة: مجرفة من حديد، انظر: النهاية في غريب الحديث، لابن الأثير: 4-328. (58) مسلم: 3-2288 رقم: 2984. (59) مسلم: 3-2001 رقم: 2588. (60) جامع الترمذي: 4 - 562 رقم: 2325، وقال: (حسن صحيح)، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب: 1- 9 رقم: 14. (61) البخاري، فتح 5-257، رقم: 2591. (62) جزء من حديث مرفوع عن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ عند البيهقي في شعب الإيمان: 7-191 رقم: 9956، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-394 رقم: 1952. (63) انظر: روح المعاني، للآلوسي : 22-150. (64) انظر على سبيل المثال: سبل السلام، للصنعاني : 4-208. (65) أي غطاها بأقراص ورغف، انظر: النهاية، لابن الأثير: 4-193. (66) الموطأ، لمالك: 2-997. (67) روضة العقلاء، لابن حبان: 198. (68) جامع الترمذي: 5-148 رقم: 2863 وقال: (حسن صحيح غريب)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-354 رقم: 1724. (69) المستدرك، للحاكم: 1-379 وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، صحيح ابن حبان:7-380 ، 381 رقم: 3113 وحسنه المحقق. (70) المسند، لأحمد: 13-447 رقم: 8085، وقال المحقق: (إسناده صحيح). (71) سنن ابن ماجة: 2-1383 رقم: 4129، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-1199 رقم: 7137. (72) المسند، لأحمد: 28-241 رقم: 17020 وقال المحقق: (حديث صحيح). (73) البخاري، فتح: 1-485 رقم: 304. (74) فتح الباري، لابن حجر: 1-485.. (75) نيل الأوطار، للشوكاني: 6-124. (76) البخاري، فتح: 13-482 رقم: 7512، ومسلم: 1-703 رقم:1016. (77) مسلم: 1-703 رقم: 1016. (78) المعجم الكبير، للطبراني: 18-303 رقم: 777، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-94 رقم: 153. (79) المسند، لأحمد: 6-79، وحسنه المنذري والألباني كما في صحيح الترغيب: 362. (80) انظر: لباب التأويل، للخازن: 1-208، تيسير الكريم الرحمن، للسعدي: 116، في ظلال القرآن، لسيد قطب: 1-316. (81) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 2- 119. (82) المنيحة عند العرب العطية، وهي على وجهين: أحدهما: أن يعطي الرجل صاحبه الشيء بمنافعه صلة فتكون له، وهي الهبة، والآخر: أن يعطيه ناقة أو شاة أو نخلة ينتفع بها زمناً ثم يردها، انظر: فتح الباري لابن حجر: 5-288، عون المعبود للعظيم آبادي: 5- 97. (83) البخاري، فتح: 5-287 رقم: 2631. (84) المراد بالزوجين: إنفاق شيئين من أي صنف من أصناف المال من نوع واحد. انظر: فتح الباري لابن حجر: 4-134. (85) المراد بقوله: (في سبيل الله): عموم الإنفاق في وجوه الخير، وقيل: مخصوص بالجهاد، والأول أصح وأظهر، انظر: شرح مسلم للنووي: 7-162، فتح الباري لابن حجر: 7-34. (86) البخاري ، فتح 4- 133 رقم: 1897، مسلم: 1-711 رقم: 1027. (87) انظر: عمدة القاري، للعيني: 10-264. (88) انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 8-249، دليل الفالحين، لابن علان: 1- 142. (89) مسلم: 1- 203 رقم: 223. (90) انظر: شرح مسلم، للنووي: 3-127، جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2- 23 ـ 24. (91) فيض القدير، للمناوي: 4-291. (92) انظر: عدة الصابرين، لابن القيم: 253. (93) المعجم الأوسط، للطبراني: 3-86 رقم: 2572، مسند أبي يعلى: 10 - 429 رقم: 6040 وجود إسناده المحقق. (94) الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 1- 253. (95) البخاري، فتح: 6-95 رقم: 2887. (96) قد اختلف في المراد بالصدقة في الآية: أهي الزكاة الواجبة أم غيرها ؟ والظاهر أن المراد بها كما قال الحسن البصري: الصدقة غير المفروضة. بدلالة نزولها في الطائفة التي تخلفت عن الغزو فبذلوا أموالهم كمالاً في توبتهم، لتكون جارية في حقهم مجرى الكفارة، فأمر الله رسوله # بأخذها منهم تطهيراً لهم وتزكية، انظر: جامع البيان، للطبري: 14-454، تفسير الرازي: 16- 181. (97) انظر: التحرير والتنوير، لابن عاشور: 11-23، تيسير الكريم الرحمن، للسعدي: 350. (98) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 8- 49، تيسير الكريم الرحمن، للسعدي: 785. (99) تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 2- 146. (100) البر: جماع الخير والطريق الوصل إلى الجنة. انظر: تيسير الكريم الرحمن، للسعدي: 111. (101) تيسير الكريم الرحمن، للسعدي: 857. (102) انظر: إرشاد العقل السليم، لأبي السعود: 2-57، شرح الموطأ، للزرقاني: 4-538. (103) انظر: في ظلال القرآن، لسيد قطب: 1-424. (104) البخاري، فتح: 5-454 رقم: 2758، مسلم: 693 رقم: 998 واللفظ له. (105) تفسير عبد الرزاق: 1-126، جامع البيان، للطبري: 6-592 رقم: 7398، تفسير عبد بن حميد كما في الدر المنثور للسيوطي: 2-261. (106) جامع البيان، للطبري: 6-588 رقم: 7392، الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 4-133. (107) المستدرك، للحاكم: 3- 568. (108) انظر: الحلية، للأصفهاني: 1- 294 ـ 295. (109) انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي: 4- 133. (110) انظر: المصدر السابق: 4- 133. (111) انظر: إرشاد العقل السليم، لأبي السعود: 4-58. (112)المسند، لأحمد: 28-261 رقم: 17033، صحيح ابن حبان: 8-216 رقم: 3429 واللفظ له، وهو حديث صحيح. (113) البخاري ، فتح: 6-58 رقم 2843، مسلم: 2-1506 رقم: 1895. (114) انظر: فتح الباري، لابن حجر : 6- 59. (115) شعب الإيمان، للبيهقي: 3-480 رقم: 4121، ورجاله ثقات. (116) انظر: فيض القدير، للمناوي: 6-114. (117) المستدرك، للحاكم: 4-306، وصححه، ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-243 رقم: 1077.
أخر تعديل بواسطة الهاشمية القرشية ، 07-11-2010 الساعة 05:52 PM | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
07-11-2010, 05:49 PM | المشاركة رقم: 3 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
الهاشمية القرشية المنتدى :
الإسلامي العام رد: سنابل الخير في العدد الماضي بيَّن الكاتب أن المال مال الله، وأن الصدقة شُرعت لغرضين جليلين: أحدهما: سد خَلَّة المسلمين وحاجتهم، والثاني: معونة الإسلام وتأييده. ثم تحدث بعد ذلك عن بعض فضائل الصدقة وآثارها، من علو شأنها ورفعة منزلة صاحبها، ووقايتها للمتصدق من البلايا والكروب، وعظم أجرها ومضاعفة ثوابها، وإطفائها الخطايا وتكفيرها الذنوب، ومباركتها المال وزيادتها الرزق، وأنها وقاية من العذاب وسبيل لدخول الجنة.... وغير ذلك من الفضائل، واليوم يتابع ذكر فضائلها وآثارها. - ^ ـ 11 ــ أن الجزاء عليها من جنس العمل: من أنفق شيئاً لله عوضه الله من جنس نفقته ما هو خير له، فيُحِسن إليه من نوع ما أحسن، ويُعطيه من مثل ما أعطى، جزاءاً وفاقاً، وقد دلت على ذلك أحاديث وآثار عديدة، منها: أن رجلاً جاء بناقة مخطومة فقال: هذه في سبيل الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : "لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلها مخطومة"(1)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من أعتق رقبة مسلمة أعتق الله له بكل عضو منها عضواً من النار حتى فَرْجه بفَرْجه"(2)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "لا يستر عبد عبداً في الدنيا إلا ستره الله يوم القيامة"(3) والستر هنا شامل لمعايب العبد وعورته(4)، وقول أبي سعيد الخدري ـ رضي الله عنه ـ: "أيُّمَا مسلم كسا مسلماً ثوباً على عُري كساه الله من خضر الجنة، وأيُّمَا مسلم أطعم مسلماً على جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، وأيُّمَا مسلم سقى مسلماً على ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم"(5). ولا يقتصر الأمر على المجازاة على الصدقة بمثلها؛ بل الأمر يتجاوز ذلك إلى حال المتصدق عليه؛ إذ بمقدار إدخالها للسرور عليه، وإزالتها لشدائده، وتفريجها لمضايقه، وإصلاحها لحاله، ومعونتها له وسترها عليه؛ ينال المتصدق أجره من الله من جنس ذلك، يدل على ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "من نفَّس عن مؤمن كُربة من كُرب الدنيا نفَّس الله عنه كُربة من كُرب يوم القيامة، ومن يَسَّر على مُعسر يسَّر الله عليه في الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلماً ستره الله في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه"(6)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من يلق أخاه المسلم بما يحب لِيَسُرَّه بذلك، سرَّه الله يوم القيامة"(7). وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع ذلك فقال صلى الله عليه وسلم : "كان تاجر يداين الناس، فإذا رأى معسراً قال لفتيانه: تجاوزوا عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه"(8). وقال صلى الله عليه وسلم : "إن رجلاً لم يعمل خيراً قط (9)، وكان يداين الناس فيقول لرسوله: خذ ما تيسر، واترك ما تعسر، وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال: فلما هلك، قال الله: هل عملتَ خيراً قط؟ قال: لا؛ إلا أنه كان لي غلام، وكنت أداين الناس، فإذا بعثته ليتقاضى قلت له: خذ ما تيسر واترك ما تعسر وتجاوز لعل الله يتجاوز عنا، قال الله ـ تعالى ـ: قد تجاوزت عنك"(10). وعن حذيفة ـ رضي الله عنه ـ قال: "أُتيَ اللهُ بعبدٍ من عباده آتاه الله مالاً فقال له: ماذا عملتَ في الدنيا؟ قال: ولا يكتمون الله حديثا {النســـاء: 42} قــال: مـا عملتُ من شيء يا ربِّ إلا أنك آتيتني مالاً فكنت أبايع الناس، وكان من خُلُقي أن أيسر على الموسر وأُنظِر المعسر، قال الله ـ تعالى ـ: أنا أحق بذلك منك، تجاوزوا عن عبدي". قال عقبة بن عامر الجهني وأبو مسعود الأنصاري: هكذا سمعنا من فِي رسول الله #(11). فيا من يرى ضخامة ذنبه وعظم تقصيره في حق ربه اشترِ نفسك وأكثر صدقتك فداءاً لنفسك، وتفريجاً لكربتك، وإزالة لشدتك في قبرك وبين يدي ربك؛ فإن اليوم عمل ولا حساب، وغداً حساب ولا عمل "ومن بطَّأ به عملُه لم يسرع به نَسبُه"(12). 12 ــ إظلالها لصاحبها في المحشر: في المحشر حر شديد يفوق الوصف؛ إذ يمكث العباد فيه مـدة طويلة مقدارها خمســـون ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون، والشمس دانية من رؤوسهم ليس بينهم وبينها إلا مقدار ميل، فترتوي الأرض من عرقهم ويذهب فيها سبعين ذراعاً، ثم يرتفع فوقها؛ فيكون الناس في العرق على قدر أعمالهم؛ فمنهم من يكون العرق إلى كعبيه، ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حِقوَيْه ومنهم من يلجمه العرق إلجاماً(13). وهناك آخرون من ذوي الأعمال الجليلة والرتب الرفيعة لا يعانون من شيء من ذلك، ومن هؤلاء المتصدقون الذين أفادت النصوص بأنهم يكونون في المحشر في ظل صدقاتهم تحميهم من شدة الحر، وتدفع عنهم وهج الشمس(14)، ومنها قوله صلى الله عليه وسلم : "كل امرئ في ظل صدقته حتى يُفصل بين الناس"(15). ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل إن العبد متى فرَّج عن غريمه أو عفا عنه، ومتى أسرَّ بصدقته وأخفاها كان ذلك مؤهلاً له للاستظلال في ذلك الموقف العظيم تحت العرش، لقوله صلى الله عليه وسلم : "من نفَّس عن غريمه أو محا عنه كان في ظل العرش يوم القيامة"(16)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "سبعة يظلهم الله ـ تعالى ـ في ظله يوم لا ظل إلا ظله ـ وذكر منهم ـ: ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه"(17). وقد أدرك السلف هذا الأمر واستوعبوه، فاعتنوا بالصدقة والإنفاق في مرضاة الله ـ تعالى ـ أيما عناية؛ ومواقفهم في ذلك أكثر من أن تحصر، ومن ذلك أن الفاروق عمر ـ رضي الله عنه ـ أرسل بأربعمائة دينار مع غلام إلى أبي عبيدة، وقال للغلام: تَلَهَّ ساعة في البيت حتى تنظر ما يصنع، فذهب بها الغلام إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله الله ورحمه. ثم قال: تعالَيْ يا جارية! اذهبي بهذه السبعة إلى فلان، وبهذه الخمسة إلى فلان. حتى أنفدها، فرجع الغلام إلى عمر فأخبره، ووجده قد أعد مثلها لمعاذ، فقال: اذهب بها إلى معاذ بن جبل ثم تَلَهَّ في البيت ساعة حتى تنظر ما يصنع. فذهب بها إليه، فقال: يقول لك أمير المؤمنين: اجعل هذه في بعض حاجتك. فقال: وصله ورحمه، تعالَيْ يا جارية! اذهبي إلى فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا، وإلى بيت فلان بكذا. فاطلعت امرأة معاذ، فقالت: نحن والله مساكين فأعطنا. فلم يبق في الخرقة إلا ديناران فدفع بهما إليها، ورجع الغلام إلى عمر فأخبره فَسُرَّ بذلك، وقال: إنهم إخوةٌ بعضهم من بعض"(18). وهذا مـرثد المزني الفقيه الثبت كان لا يخطئه يـوم لا يتصدق فيه بشيء، ولا يخرج إلى المسجد إلا وفي كُمِّه صدقة: إما فلوس، وإما خبز، وإما قمح حتى ربما شوهد ومعه في كُمِّه بصل، فيقال له: إن هذا ينتن ثيابك. فيقول: إني لم أجد في البيت شيئاً أتصدق به غيره، إنه حدثني رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "ظل المؤمن يوم القيامة صدقته"(19). وهذا شبيب بن شيبة يقول: "كنا بطريق مكة وبين أيدينا سفرة لنا نتغدى في يوم قائظ، فوقف علينا أعرابي ومعه جارية له زنجية، فقال: يا قوم! أفيكم أحد يقرأ كلام الله حتى يكتب لي كتاباً؟ قال: قلنا: أَصِبْ من غدائنا حتى نكتب لك ما تريد. قال: إني صائم. فعجبنا من صومه في تلك البرية، فلما فرغنا من غدائنا دعونا به، فقلنا: ما تريد؟ فقال: أيها الرجل! إن الدنيا قد كانت ولم أكن فيها، وستكون ولا أكون فيها، فإني أردت أن أعتق جاريتي هذه لوجه الله وليوم العقبة، أتدري ما يوم العقبة، قوله ـ عز وجل ـ: فلا اقتحم العقبة 11 وما أدراك ما العقبة {البلد: 11، 12}، فاكتب ما أقول لك ولا تزيدن حرفاً: هذه فلانة خادم فلان قد أعتقها لوجه الله وليوم العقبة. قال شبيب: فأتيت بغداد فحدثت بهذا الحديث المهدي، فقال: مائة نسمة تُعتق على عُهدة الأعرابي"(20). 13 ــ توفيتها نقص الزكاة الواجبة: أوجب الله الزكاة وجعلها أهم أركان الإسلام العملية بعد الصلاة، فقال ـ سبحانه ـ: وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واركعوا مع الراكعين {البقرة: 43}، كما عد عدم إخراجها من خصال المشركين فقال ـ تعالى ـ: وويل للمشركين 6 الذين لا يؤتون الزكاة {فصلت: 6، 7}، ورتب الوعيد الشديد على البخل بها وعدم إخراجها فقال: ـ عز وجل ـ: والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم 34 يوم يحمى" عليها في نار جهنم فتكوى" بها جباههم وجنوبهم وظهورهم هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون {التوبة: 34، 35}، وقال صلى الله عليه وسلم : "من آتاه الله مالاً فلم يؤد زكاته، مُثِّـل له ماله شجاعاً أقرع له زبيبتان يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه ـ يعني شدقيه ـ يقول: أنا مالك، أنا كنزك "ثم تلا هذه الآية: ولا يحسبن الذين يبخلون بما آتاهم الله من فضله هو خيرا لهم بل هو شر لهم سيطوقون ما بخلوا به يوم القيامة {آل عمران: 180}"(21). ولا يتوقف الأمر على ذلك؛ إذ قال عبد الله بن مسعود ـ رضي الله عنه ـ: "ما مانع الزكاة بمسلم"(22)، وذهب بعض أهل العلم ـ وإن كان خلاف الراجح ـ إلى كفر مـن لا يخرج الزكاة بخلاً بها أخـذاً مـن قوله ـ سبحانـه وتعالى ـ: فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فإخوانكم في الدين {التوبة: 11} وحيث رتب الله ـ تعالى ـ فيها ثبوت أخوة الدين على هذه الأوصاف مجتمعة؛ فإذا لم تجتمع انتفت الأخوة الدينية، وهي التي لا تنتفي بحال إلا بانتفاء الإيمان وخروج العبد من الإسلام(23). ونظراً لكون الزكاة بهذه المنزلة والأهمية، والعبد عرضة للتقصير في أدائها أو السهو في إخراجها أو الخطأ في حسابها فقد شرع الله ـ رحمةً بخلقه وإحساناً إليهم ـ صدقة التطوع لتكون توفية لنقصها، وجبراناً لخللها، وإكمالاً للعجز الحاصل فيها؛ ويشير إلى ذلك حديث تميم الداري ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً قال: "أول ما يحاسـب بـه العبد يـوم القيامـة الصلاة؛ فإن كان أكملها كتبت له كاملة، وإن كان لم يكملها قال الله ـ تبـارك وتعـالى ـ لملائكته: هل تجدون لعبدي تطوعاً تكملوا به ما ضيع من فريضته؟ ثم الزكاة مثل ذلك، ثم سائر الأعمال على حسب ذلك"(24)، والذي يدل على أنه يُنظر في زكاة العبد فإن كملت كتبت له تامة، وإن ضيع شيئاً منها نظر هل له من الصدقة ما يتم به نقص الفرض، فإن لم يكن له منها ما يتم به نقص الفرض كان معرضاً للعقاب الشديد الذي أوضحته النصوص، وذلك إن لم يتغمده الله بعفو منه وتجاوز(25). 14 ــ أنها كنز لصاحبها يوم القيامة: توزن الأعمال يوم القيامة فيكون العبد أحوج ما يكون إلى عمل صالح يثقل به ميزانه ليكون ذلك سبب سعادته وفلاحه كما قال ـ تعالى ـ: فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون 102 ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون {المؤمنون: 102، 103} والصدقة من الأعمال الجليلة التي أخبر صلى الله عليه وسلم بأن العبد يدخرها لغده، ويكتنزها لنفسه، ويجدها عند ربه إذا قدم إليه ووقف بين يديه وافرة محفوظة، يشهد لذلك قوله ـ تعالى ـ: وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا {المزمل: 20} وقوله ـ سبحانه ـ: ما عندكم ينفد وما عند الله باق {النحل: 96}. والنصوص النبوية الدالة على أن الصدقة ذخر لصاحبها وكنز له كثيرة منها: قوله صلى الله عليه وسلم : "يقول ابن آدم: مالي مالي!! وهل لك يا ابن آدم من مالك إلا ما أكلت فأفنيت، أو لبست فأبليت، أو تصدقت فأمضيت؟!"(26)، وفي روايـة: "إنمـا له مـن مـاله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للناس"(27). بل إنه صلى الله عليه وسلم جعل الصدقة هي مال العبد الحقيقي فقال صلى الله عليه وسلم : "أيكم ماله أحـب إليه مـن مال وارثه؟ قالوا: يا رسول الله! ما منا أحد إلا ماله أحب إليه من مال وارثه، قال: اعلموا ما تقولون، قالـوا: ما نعلـم إلا ذاك يا رسول الله! قال: ما منكم رجل إلا مال وارثه أحب إليه من ماله. قالوا: كيف يا رسول الله؟ قال: إنما مال أحدكم ما قَدّم، ومال وارثه ما أَخّر"(28). وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم على غرس هذا الأمر وتقريره في نفوس صحابته؛ فعـن أبي هريرة ـ رضـي الله عنـه ـ: "أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر أن تذبح شاة فيقسمها بين الجيران، قال: فذبحتها فقسمتها بين الجيران، ورفعت الذراع إلى النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحب الشاء إليه الذراع، فلما جاء النبي صلى الله عليه وسلم قالت عائشة: ما بقي عندنا منها إلا الذراع. قال: كلها بقي إلا الذراع"(29). وقد استوعب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فزهدوا بالدنيا وأكثروا من الصدقة؛ فها هو صلى الله عليه وسلم يأمر أصحابه يوماً أن يتصدقوا: يقول عمر ـ رضي الله عنه ـ: "فوافق ذلك مالاً عندي، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوماً، فجئت بنصف مالي؛ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله. وأتى أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ بكل ما عنده، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ما أبقيتَ لأهلك؟ قال: أبقيتُ لهم الله ورسوله. قلتُ: لا أسابقك إلى شيء أبداً"(30). وها هو عثمان ـ رضي الله عنه ـ: "يجهز جيش العسرة ويشتري بئر رومة وأرضاً بجوار المسجد ليوسع به من صلب ماله"(31)، وها هـو طلحة بـن عبيـد الله ـ رضي الله عنه ـ: "يتصدق يوماً بمائة ألف درهم، وأخرى بأربعمائة ألف، وباع أرضاً له بسبعمائة ألف، فبات أرِقاً من مخافة المال حتى أصبـح ففرقه"(32)، ومعاذ ـ رضي الله عنه ـ: "كان يعطي حتى ادّان ديناً أغلق ماله"(33). وها هو عبد الرحمن بن عوف ـ رضي الله عنه ـ يسمـع رسول الله صلى الله عليه وسلم يحـث على الصـدقة، فيقول: "يا رسول الله! عندي أربعة آلاف: ألفان أقرضهما ربي، وألفان لعيالي"(34) ثم تصدق بعد ذلك بأربعين ألف، ثم تصدق بأربعين ألف دينار، ثم حمل على خمسمائة فرس في سبيل الله، ثم على ألف وخمسمائة راحلة في سبيل الله"(35). وها هو سعيد بن عامر الجمحي ـ رضي الله عنه ـ "بعث إليه عمر بألف دينار، وقال: استعن بها على أمرك. فقالت امرأته: الحمد الله الذي أغنانا عن خدمتك. فقال لها: فهل لك في خير من ذلك؟! ندفعها إلى من يأتينا بها أحوج ما نكون إليها. قالت: نعم. فدعا رجلاً من أهل بيته يثق به فصررها صرراً ثم قال: انطلق بهذه إلى أرملة آل فلان، وإلى يتيم آل فلان، وإلى مسكين آل فلان، وإلى مبتلى آل فلان. فبقيت منه ذهيبة فقال: أنفقي هذه. ثم عاد إلى عمله، فقالت: ألا تشتري لنا خادماً؟! وما فعل ذلك المال؟ قال: سيأتيك أحوج ما تكونين"(36). وأخبارهم ـ رضي الله عنهم ـ في الزهد بالدنيا والادخار للآخرة أكثر من أن تحصى. فكن كيِّساً يا عبد الله! وآثر آخرتك؛ فإنها أعظم من الأولى، وما عند الله خير وأبقى لك. 15 ــ جريان أجر الباقي منها بعد الموت: حياة العبد دار امتحانه وموضع سعيه، وبموته ينقطع عمله ويتوقـف كسبه؛ فلا ينقـص مـن حسناته ولا يزاد إلا بأعمال محددة جلاها الشارع وأوضحتها النصوص(37)، ومن أجلِّ الأعمال التي تزيد الحسنات وأبرزها الصدقة الباقية بعد موت العبد سواء ما كان منها في سبيل نصرة الدين أو في تخفيف معاناة المعوزين أو غير ذلك من أبواب البر، والأدلة على ذلك عديدة منها: قوله صلى الله عليه وسلم : "إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: ـ وذكر منها ـ صدقة جارية"(38)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "أربعة تجري عليهم أجورهم بعد الموت ـ وذكر منهم ـ ورجل تصدق بصدقة فأجرها له ما جرت"(39). وقد وردت أحاديث تُعدد أنواعاً من هذه الصدقة الجارية (40)، ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : "إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته ـ وذكر من ذلك ـ: ومصحفاً ورَّثَه، أو مسجداً بناه، أو بيتاً لابن السبيل بناه، أو نهراً أجراه، أو صدقة أخرجها من ماله في صحته وحياته يلحقه بعد موته"(41)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "سبعة يجري للعبد أجرهن بعد موته وهو في قبره ـ وذكر منها ـ: أو كرى نهراً(42) أو حفر بئراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورَّث مصحفاً"(43). والصدقة الجارية كالوقف ونحوه من آثار العبد وبقايا عمله التي أخبر ـ سبحانه ـ أنه يكتبها له؛ وذلك في قوله ـ تعالى ـ: ونكتب ما قدموا وآثارهم وكل شيء أحصيناه في إمام مبين {يس: 12}، ومعناه: أن الله يكتب أعمال العباد التي باشروها في حياتهم، وآثارهم التي أثروها من بعدهم، فيجزيهم على ذلك إن خيراً فخير، وإن شراً فشر(44)، يقول سيد قطب: "كل ما قدمت أيديهم من عمل، وكل ما خلفته أعمالهم من آثار، كلها تكتب وتحصى، فلا يند منها شيء ولا ينسى"(45)، ولأبي السعود كلام أجلى يقول فيه: " ونكتب ما قدموا أي ما أسلفوا من الأعمال الصالحة وغيرها، وآثارهم التي أبقوها من الحسنات كعلم علَّموه، أو كتاب ألَّفوه، أو حبيس وقَفُوه، أو بناء بنوه من المساجد والرباطات والقناطر وغير ذلك من وجوه البر، ومن السيئات كتأسيس قوانين الظلم والعدوان، وترتيب مبادئ الشر والفساد فيما بين العباد، وغير ذلك من فنون الشر التي أحدثوها وسنوها لمن بعدهم من المفسدين"(46). فلو لم يكن في الصدقة من فضل إلا هذا لكان فيه كفاية لمن عقل وأراد النجاة. فيا من إذا مات انقطع عمله، وفاته أمله، وحق ندمه، وتوالى همه، احرص على ما ينفعك، وأكثر صدقتك التي يجري أجرها لك بعد موتك؛ فإن ذلك قرض منك لك مدخر عند ربك(47). 16 ــ مشروعية إهداء ثوابها للميت: أوجب الله البر بالوالدين، وحث على صلة الأقربين، والإحسان إلى الآخرين. وإن من أعظم البر بعد البر، والصلة بعد الصلة، وأرفع الإحسان بعد الإحسان نفع من كان يُبَر في حياته ويوصل ويحسن إليه، إذا أُدخل في قبره، وتوقف كسبه، وبدأت آخرته، والسعي في إيصال الثواب إليه وهو أحوج ما يكون إلى ذلك بفعل بعض الطاعات والقُرَب التي أفاد الشارع بوصول ثوابها إلى الميت (48)، ويأتي في طليعة تلك الأعمال: الصدقة عليه، والتي أجمع العلماء على نفعها له ولحوق ثوابها به للنصوص الصحيحة الواردة في ذلك(49)، ومنها: حديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ: "أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله! إن أمي افتُلِتَتْ نفسُها(50) ولم توص، وأظنها لو تكلَّمتْ تصدَّقَتْ. أفلها أجر إن تصدقتُ عنها؟ قال: نعم" (51). وحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ: "أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم : "إن أبي مات وترك مالاً ولم يوص، فهل يكفر عنه أن أتصدق عنه؟ فقال: نعم"(52). وحديث ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ: "أن سعد ابن عبادة ـ رضي الله عنه ـ توفيت أمه وهو غائب عنها فقال: يا رسول الله! إن أمي توفيت وأنا غائب عنها؛ أينفعها شيء تصدقتُ به عنها؟ قال: نعم! قال: فإني أُشهدك أن حائطي المِـخْرَاف(53) صدقة عليها"(54). وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده: "أن العاص بن وائل نذر في الجاهلية أن ينحر مائة بدنة، وأن هشام بن العاص نحر حصته خمسين بدنة، وأن عَمْراً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. فقال: أما أبوك فلو أقر بالتوحيد فصُمتَ وتصدَّقتَ عنه نفعه ذلك"(55)، قال الشوكاني في شرحه له: "فأخبره أن موت أبيه على الكفر مانع من وصول نفع ذلك إليه، وأنه لو أقر بالتوحيد لأجزأ ذلك عنه ولحقه ثوابه"(56). وليس ذلك مقصوراً على صدقة الولد عن والديه(57)، بل إنَّ تصدُّق الصاحب ينفع الميت؛ كما يدل عليه حديث واثلة بن الأسقع ـ رضي الله عنه ـ قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبـوك فأتـاه نفــر مـن بنـي ســليم، فقالـوا: يا رسول الله! إن صاحباً لنا قد أوجب(58)، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "أعتقوا عنه رقبة يعتق الله بكل عضو منها عضواً منه من النار"(59). وحين علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الميزة العظيمة للصدقة ـ وهم من هم براً وفضلاً وإحساناً ـ بادروا إلى التصدق عـــن أمواتهــم، ومـــن ذلك: أن عبد الرحمن بن عـوف ـ رضـي الله عنه ـ تصـدق عـن والدته بعتق عشر رقاب(60)، وأعتقت عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن أخ لها مات في منامه تلاداً من تلاده(61). فيا صاحب الخلق الجميل، ويا من لا تنسى بر من برك، ومعروف من أحسن إليك! رد برهم ببرٍ أعظم، وفضلهم بفضل أجلَّ، وهم في دار الحسرة أشد ما يكونون اضطراراً إلى تفضلك ومعروفك؛ فإن الأيام دول وكما تدين تدان، فكما تبر والديك وتحسن إلى ذويك وأهل الفضل عليك يبرك أولادك ويحسن إليك ذووك ومن تفضلت عليهم في دنياك. 17 ــ سترها عيوب العبد واستجلابها محبة الناس وحمدهم ودعاءهم له: الصدقة والبر وصنائع الخير حارسة لعِرض صاحبها، غافرة لزلته، ساترة لعيوبه، متجاوزة عن هفواته، وفي المقابل فلؤم العبد وشحه من دواعي هتك عرضه، وتتبع زلاته، وكشف عيوبه، وإظهار هفواته، قال الشاعر: ويُظهرُ عيبَ المرءِ في الناس بخلُه *** ويَسترُه عنهم جميعاً سخاؤُه تَغطَّ بأثوابِ السخاءِ فإنني *** أرى كلَّ عيبٍ والسخاءُ غطاؤُه وهي من أسباب القُرْب من العباد ونيل مودتهم ودعائهم وتعظيمهم، والحصول على شكرهم وثنائهم؛ فصاحبها محمود الأثر في الدنيا يحبه البعيد والداني، ويألفه المتسخط والراضي؛ لأن صاحبها بعمله ذلك يرتهن الشكر، ويسلف المعروف ليربح المحبة والدعاء والحمد. ولا يقتصر نيل المتصدق للمحبة والشكر والدعاء من المتصدَّق عليهم فقط، بل إنه ليود المتصدق ويحمده ويدعو له من لا ينال الصدقة ولا تقدم إليه، قال أبو الفتح البستي: أَحْسِن إلى الناسِ تَستعبدْ قلوبَهمُ *** فطالما استعبدَ الإنسانَ إحسـانُ مَن جادَ بالمال مالَ الناسُ قاطبةً *** إليه، والمـالُ للإنسان فتَّـانُ أَحْسِن إذا كان إمكانٌ ومقـدرةٌ *** فلن يدومَ على الإنسانِ إمكانُ وعلى الضد من ذلك فالبخيل ليس له خليل، وهو بشحه يستجلب السخط، ويستدعي الذم والبغض؛ فاللائق بالعاقل إذا أمكنه الله ـ تعالى ـ من حطام هذه الدنيا، وعلم زوالها عنــه، وانقلابـها إلى غـيره، وأنـه لا ينفعه في الآخرة إلا ما قدم من الأعمال الصالحة، أن يكثر من الصدقات، وأعمال البر، وصنائع المعروف، مبتغياً بذلك الثواب في العقبى، والذكر الجميل في الدنيا؛ إذ السخاء محبة ومحمدة، وسبب لنيل الدعوة بالخير، والبخل مذمة، ومبغضة، وسبب لنيل الدعوة بالشر، ولا خير في مال بدون وجود إحسان، كما لا خير في النطق بدون فعال. قال الشاعر: الجودُ مكرمةٌ، والبخلُ مبغضةٌ *** لا يستوي البخلُ عندَ اللهِ والجودُ (62) فيا من تريد المرتبة العالية في الآخرة، والمنزلة الجليلة في الدنيا الزم الصدقة والجود، وأكثر من الإحسان وأعمال البر، وتجنب الشح؛ فإنك قادم على ربك وحالك كما وصف الشاعر: وما تزودَ مما كان يَجمَعه *** إلا حنوطاً ـ غداةَ البين ـ معْ خِرَقِ وغيرَ نفحةِ أعوادٍ تُشدُّ به *** وقلَّ ذلك مِن زادٍ لمنطلــقِ (63) 18 ــ أنها طريق للظفر بمحبة الله ورحمته ورضاه: في الصدقة إحسان ورحمة، وتفضل وشفقة، ولذا كانت من وسائل نيل محبة رب العالمين، والحصول على رحمته، والظفر برضوانه؛ لأنه ـ سبحانه ـ يحب المحسنين ويرحم الراحمين، وقد دلت نصوص القرآن والسنة على ذلك، فمما دل منها على أن التصدق والإنفاق في مرضاة الله من دواعي حبه ـ عز وجل ـ للعبد قوله ـ تعالى ـ: وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة وأحسنوا إن الله يحب المحسنين {البقرة: 195} قال السعدي: "وهذا يشمل جميع أنواع الإحسان بالمال"(64). كما أتت أحاديث عديدة تبين أن الله يحب المتصدقين وذوي البر والإحسان وصانعي المعروف، منها قوله صلى الله عليه وسلم : "أحب العباد إلى الله أنفعهم لعياله" (65)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "أحب الناس إلى الله أنفعهم"(66)، ومنها: حديث أبي ذر ـ رضي الله عنه ـ مرفوعاً: "ثلاثة يحبهم الله وثلاثة يبغضهم الله، أما الذين يحبهم الله: فرجل أتى قوماً فسألهم بالله ولم يسألهم بقرابة بينهم وبينه، فتخلف رجل أعقابهم، فأعطاه سراً لا يعلم بعطيته إلا الله والذي أعطاه ..."(67). كما جاءت أحاديث تبين أن الله لا يرحم من عباده إلا الرحماء بخلقه، المشفقين على عباده ـ وهي صفة المتصدق ـ ومنها: قوله صلى الله عليه وسلم : "الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا أهل الأرض يرحمكم أهل السماء"(68)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "من لا يرحم الناس لا يرحمه الله عز وجل"(69). ومن النصوص الدالة على أن الصدقة دافعة لغضب الله وسخطه، جالبة لرضوانه قوله صلى الله عليه وسلم : "صدقة السر تطفئ غضب الرب"(70)، وحديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ الذي تضمن قصة الأبرص والأقرع والأعمى، وفيه قول الملَك للأعمى لما بذل المال محتسباً الثواب من الله وأمسكه صاحباه شحاً به وبخلاً: "أمسك مالك؛ فإنما ابتليتم؛ فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك" (71). فيا طامعاً في محبة الله ورضوانه، ويا راجياً رحمته وإحسانه.. عليك بالصدقة؛ فإنها نِعْمَ الوسيلة لتحقيق غايتك والوصول إلى بغيتك. 19 ــ أن فيها انتصاراً للعبد على شيطانه: حذر الله عباده من الشيطان، وأوضح لهم عداوته لهم، وتوعده إياهم بإغوائهم وتزيين الباطل لهم، وعمله ـ بما يستطيع ـ على إضلالهم وزجِّهم في دوامة الشهوات والشبهات، لكي يكونوا له طائعين، ولخطواته متبعين، وعن الخير متخاذلين، وعن رضوان ربهم متباعدين فقال ـ تعالى ـ: ولا تتبعــوا خطـــوات الشيطان إنـه لكم عدو مبين {البقرة: 168}، وقال ـ سبحانه ـ حكاية عن إبليس: قال فبما أغويتني لأقعدن لهم صراطك المستقيم 16 ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين {الأعراف: 16، 17}، وقال ـ عز وجل ـ فيه: لعنه الله وقال لأتخذن من عبادك نصــيبا مفــروضا 118 ولأضلنهـــم ولأمنينهــم {النساء: 118، 119}، وقال ـ تعالى ـ: قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين 39 إلا عبادك منهم المخلصين {الحجر: 39، 40}. وفي باب الصدقة فإن الشياطين تتكالب على العبد، داعية له إلى البخل، حاثة له على الشح، ناهية له عن الجود والبذل، كما قال ـ سبحانه ـ: الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء والله يعدكم مغفرة منه وفضلا والله واسع عليم {البقرة: 268} فإن هو تصدق فقد غلبهم وانتصر عليهم، يدل لذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "ما يخرج رجل شيئاً من الصدقة حتى يفك عنه لَحْيَيْ(72) سبعين شيطاناً"(73)، يقول المناوي معللاً ذلك: "لأن الصدقة على وجهها إنما يُقصد بها ابتغاء مرضاة الله، والشياطين بصـدد منـع الإنسـان من نيـل هـذه الدرجـة العظيمـة، فلا يزالون يدأبون في صده عن ذلك، والنفس لهم على الإنسان ظهيرة؛ لأن المال شقيق الروح فإذا بذله في سبيل الله فإنما يكون برغمهم جميعاً، ولهذا كان ذلك أقوى دليلاً على استقامته وصدق نيته ونصوح طويته"(74). فهل بعد هذه الرتبة من رتبة، والفضل من فضل؟ فيا من يريد إرضاء ربه، والانتصار على أعدائه، وجعل شياطينه تعيش حسرة وندامة، عليك بالصدقة والإنفاق في طاعة ربك ومرضاته! 20 ــ سعة صدر صاحبها وانشراحه: الصدقة ونفع الخلق والإحسان إليهم من أسباب انشراح الصدر وسعة البال وتحصيل السعادة؛ ومردُّ ذلك إلى شعور المتصدق بطاعة الله ـ تعالى ـ وامتثال أمره، والتحرر من عبودية المال وتقديسه، والقيام بمساعدة الآخرين، وإدخال السرور عليهم، والسير في طريق أهل الجود والإحسان، والتعرض لنفحات الرب ورحمته وإحسانه. وعلى الضد من ذلك يكون حال البخيل؛ فإن هو همَّ يوماً بالصدقة ضاق صدره، وانقبضت يده، خوفاً من نقص المال الذي صَيَّر جمعه غايته، يقول ابن القيم: "فإن الكريم المحسن أشرح الناس صدراً، وأطيبهم نفساً، وأنعمهم قلباً، والبخيل الذي ليس فيه إحسان أضيق الناس صدراً، وأنكدهم عيشاً، وأعظمهم هماً وغماً"(75)، ويقول ابن عثيمين: "فالإنسان إذا بذل الشيء ـ ولا سيما المال ـ يجد في نفسه انشراحاً، وهذا شيء مجرب،... لكن لا يستفيد منه إلا الذي يعطي بسخاء وطيب نفس، ويخرج المال من قلبه قبل أن يخرجه من يده، أما من أخرج المال من يده، لكنه في قرارة قلبه فلن ينتفع بهذا المال"(76) لأنه قد يخرجه خجلاً من الناس أو مجاراة لهم بدون استحضار نية. وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم لانشراح صدر المتصدق وانفساح قلبه، وضيق صدر البخيل وانحصار قلبه مثلاً(77)، فقال: "مثل البخيل والمتصدق مثل رجلين عليهما جبتان من حديد قد اضطرت أيديهما إلى تراقيهما، فكلما همَّ المتصدق بصدقته اتسعت عليه حتى تعفي أثره، وكلما همَّ البخيل بالصدقة انقبضت كل حلقة إلى صاحبتها وتقلصت عليه وانضمت يداه إلى ترقوته، فيجتهد أن يوسعها فلا تتسع"(78)، قال الخطابي في شرحه: "هذا مثل ضربه رسول الله صلى الله عليه وسلم للجواد المنفق، والبخيل الممسك، وشبههما برجلين أراد كل واحد منهما أن يلبس درعاً يستجنُّ بها على رأسه ليلبسها، والدرع أول ما يلبس إنما يقع على موضع الصدر والثديين إلى أن يسلك لابسها يديه في كميها، ويرسل ذيلها على أسفل بدنه فيستمر سافلاً، فجعل صلى الله عليه وسلم مثل المنفق مثل من لبس درعاً سابغة فاسترسلت عليه حتى سترت جميع بدنه، وجعل البخيل كرجل كانت يداه مغلولتين إلى عنقه، ناتئتين دون صدره، فإذا أراد لبس الدرع حالت يداه بينهما وبين أن تمر سفلاً على البدن، واجتمعت في عنقه فلزمت ترقوته، فكانت ثقلاً ووبالاً عليه من غير وقاية وتحصين لبدنه، وحقيقة المعنى: أن الجواد إذا همَّ بالنفقة اتسع لذلك صدره، وطاوعته يداه فامتدتا بالعطاء والبذل، وأن البخيل يضيق صدره، وتنقبض يده عن الإنفاق في المعروف والصدقة"(79). والأمر ـ كما هو متضح ـ مرتبط بالممارسة؛ فيا من تريد شرح الصدر وسعة البال والولوج من بوابة السعادة جَرِّب تَجِدْ. 21 ــ نفعها المتعدي: لا يقتصر نفع الصدقة على صاحبها بل يتجاوزه إلى غيره من الأفراد، ويتخطى الأفراد إلى المجتمعات، في كثير من جوانب الحياة، ولعل من أبرز منافعها المتعدية ما يلي: / إسهامها في علاج مشكلة الفقر؛ إذ تدفع حاجة المعوزين فتسد جوعهم، وتستر عوراتهم، وتقضي ديونهم وحاجاتهم، وتفرج كربهم، وتنفس مضايقهم، وتحسن معايشهم، وتدخل السرور على قلوبهم... إلى آخر ذلك من الأعمال التي حث الشارع عليها، ورغبت النصوص والآثار فيها، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "أحب الناس إلى الله أنفعهم، وأحب الأعمال إلى الله ـ عز وجل ـ سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه ديناً، أو تطرد عنه جوعاً، ولأن أمشي مع أخي المسلم في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في المسجد شهراً"(80)، وقوله صلى الله عليه وسلم : "يا عائشة! استتري من النار ولو بشق تمرة؛ فإنها تسد من الجائع مسدها من الشبعان"(81)، وقول علي ـ رضي الله عنه ـ: "من آتاه الله منكم مالاً فليصل به القرابة، وليحسن فيه الضيافة، وليفك به العاني الأسير وابن السبيل والمساكين والفقراء والمجاهدين، وليصبر فيه على النائبة؛ فإن بهذه الخصال ينال كرم الدنيا وشرف الآخرة"(82). / ما فيها من إشاعة التكافل الاجتماعي، وعميق الأخوة، ونشر المودة، وبث الرحمة بين أفراد المجتمع المسلم؛ بحيث تجعله كأسرة واحدة متراصة يرحم فيه القوي الضعيف، ويحسن فيه القادر إلى العاجز، والغني إلى الفقير؛ فتنكسر بذلك سَوْرة الحسد، وتخف حدة الحقد التي قد توجد لدى بعض المعوزين؛ لأنهم يرون مساعدة إخوانهم الأغنياء لهم، ويشعرون بوقوفهم إلى جانبهم في أوقات الأزمات والمحن فيألفونهم ويحبونهم(83). / من دوافع الجريمة الرئيسة شدة الفقر؛ لأنه يحمل المرء تحت ضغط الحاجة على فعل المعايب وارتكاب المحظور، بل قد يؤدي ببعضهم إلى التسخط والاعتراض على الله ـ تعالى ـ وعدم الرضاء بقضائه، ولذا صح من جهة المعنى حديث: "كاد الفقــر أن يكــون كفـراً"(84). والصدقة وأعمال البر تقلل من أثر هذا الدافع جداً، فتسهم بذلك في إصلاح المجتمع ووقاية أفراده من التورط في اقتراف الجريمة ـ وبخاصة المالي منها ـ لأن الفقير حين يأتيه ما يسد حاجته، ويفك كربته يرى أن الغني الذي أعطاه من ماله محسناً إليه فلا يعتدي على شيء من ممتلكاته، فينتشر بذلك الأمن ويعم الاطمئنان. وفي المقابل فإن إمساك المال والشح به بوابة المهالك كما جاء في الحديث: "واتقوا الشح، فإن الشح أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم"(85)، وفي رواية: "أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالفجور ففجروا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا"(86) قال المناوي معللاً ذلك: "وإنما كان الشح سبب ما ذكر؛ لأن في بذل المال والمواساة تحابباً وتواصلاً، وفي الإمساك تهاجر وتقاطع، وذلك يجر إلى تشاجر وتغادر من سفك الدماء واستباحة المحارم"(87). ولا يقتصر أثر الصدقة على ذلك؛ إذ إنها تصلح أخلاق الفرد، وتمنعه من الوقوع فيما لا يحمد؛ لأن العبد متى اشتد فقره، وكثر دَيْنُه: حدث فكذب، ووعد فأخلف(88)، وحين تأتيه الصدقة تكون حجاباً بينه وبين الوقوع في ذلك. / ما فيها من نصر الحق وتقويته؛ إذ لها تأثير ظاهر في نشر الدين وقيام الكثير من المناشط الدعوية والعلمية، والأعمال التي يقارع بها الشر، ويذاد بها عن حياض الدين، والواقع خير شاهد؛ إذ يجد المتأمل أن جل العمل الدعوي والخيري في أرجاء الأرض يقوم على الصدقة وصنائع المعروف؛ بحيث لو توقفت لكان ذلك سبباً في حرمان الأمة بل والبشرية من كثير مــن صنوف الخــير. وبهذا تتجلى أهمية الدور الذي يقوم به المتصدقون في الدعوة إلى الله، وإشاعة الخير ودحض الشر، بل إن لأصحاب الأموال ـ كما يظهر ـ أجر الأعمال التي تقوم على صدقاتهم من غير أن ينقص ذلك من أجر مباشريها والقائمين عليها شيئاً.
أخر تعديل بواسطة الهاشمية القرشية ، 07-11-2010 الساعة 05:59 PM | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
07-11-2010, 05:50 PM | المشاركة رقم: 4 | ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
| كاتب الموضوع :
الهاشمية القرشية المنتدى :
الإسلامي العام رد: سنابل الخير هوامش الجزء الثاني ---------------------------------------------------- (1) مسلم: 2-1505 رقم: 1892. (2) البخاري، فتح: 11-607 رقم: 6715. (3) مسلم: 3-2002 رقم: 2590. (4) انظر: تحفة الأحوذي، للمباركفوري: 8-215. (5) سنن أبي داود: 2-130 رقم: 1682 مرفوعاً، وقد جعله ابن حجر الهيتمي في الزواجر: 1-318 ـ 320 غير نازل عن رتبة الحسن، وضعف رفعه غير واحد، وهو الظاهر، وقال أبو حاتم كما في علل الحديث لولده: 2-171 رقم: 2007 (الصحيح موقوف، والحفاظ لا يرفعونه) وقال الترمذي في جامعه: 4-633 رقم: 2449 عن وقفه: (وهذا أصح عندنا وأشبه)، وانظر تعليق الأرناؤوط على المسند 17-167، ضعيف الجامع، للألباني: 330 رقم: 2249، ولا يخفى أن مثله إذا ثبت موقوفاً فمرده إلى السماع لا الرأي. (6) مسلم: 3-2074 رقم: 2699. (7) المعجم الصغير، للطبراني: 2-288 رقم: 1178 وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 8-193 (وإسناده حسن). (8) البخاري، فتح: 4-361 رقم: 2078. (9) أي سوى الإسلام بما له من أركان لا يقوم بدونها كما أبان ذلك أبو حاتم. انظر: صحيح ابن حبان : 11-423. (10) المستدرك، للحاكم: 2-28 وصححه على شرط مسلم ووافقه الذهبي، صحيح ابن حبان: 11-422 رقم: 5043، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-417 رقم: 2077. (11) المستدرك، للحاكم: 2-306، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-85 رقم: 125. قوله: "من فِي رسول الله #": أي: من فمه. (12) مسلم: 3-2074 رقم: 2699. (13) انظر: مسلم: 3-196 رقم :2683، 2684. (14) انظر: فيض القدير، للمناوي: 2-363، سبل السلام، للصنعاني: 2-141. (15) المسند، لأحمد: 28-568 رقم: 17333، وصححه ابن خزيمة: 4-94 رقم: 2431، وابن حبان: 8-104 رقم: 3310، والحاكم: 1-416. (16) المسند، لأحمد: 5-300، سنن الدارمي: 2-340 رقم: 2589، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-1119 رقم: 6576. (17) البخاري، 3-344 رقم: 1423. (18) الزهد، لابن المبارك: 178 رقم: 511، المعجم الكبير، للطبراني: 20 - 33: 46. (19) صحيح ابن خزيمة: 4-95. (20) شعب الإيمان للبيهقي: 4-69 رقم: 4344. (21) البخاري، فتح: 3-315 رقم: 1403. (22) المصنف، لابن أبي شيبة: 2-353. (23) الفروع، لابن مفلح: 1-296، الشرح الممتع، لابن عثيمين: 6-8، والذي بين ـ حفظه الله ـ أن هذا القول له وجه جيد في الاستدلال بهذه الآية، ثم أوضح بأنها مخصوصة فقال: (لكن دل حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ الثابت في صحيح مسلم (1-682 رقم: 987) على أن الزكاة ليس حكمها حكم الصلاة ـ أي في الخروج من الإسلام بتركها تهاوناً وكسلاً ـ حيث ذكر النبي # مانع زكاة الذهب والفضة، وذكر عقوبته، ثم قال: " ثم يرى سبيله إلى الجنة وإما إلى النار" ولو كان كافراً لم يكن له سبيل إلى الجنة). (24) سنن أبي داود: 1-541 رقم: 866، المستدرك، للحاكم: 1-262 ـ 263، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-503 رقم: 2574. (25) انظر: شرح الموطأ، للزرقاني: 1 -501، فيض القدير، للمناوي: 3-95، سبل السلام، للصنعاني: 2-141. (26) مسلم: 6 -2273 رقم: 2958. (27) مسلم: 6 - 2273 رقم: 2959. (28) البخاري، فتح: 11-265 رقم: 6442، صحيح ابن حبان: 8-122 رقم: 333 واللفظ له. (29) مختصر زوائد مسند البزار، لابن حجر: 1-390، وحسنه الحافظ، وأورده الهيثمي في مجمع الزوائد: 3-109 وقال: (رواه البزار، ورجاله ثقات). (30) سنن أبي داود: 2-312 رقم: 1678، وجامع الترمذي: 5-614 رقم: 3675، وقال: حسن صحيح، وحسنه الألباني في صحيح أبي داود: 1-315 رقم: 1472. (31) جامع الترمذي: 5-627 رقم: 3703، وقال: حديث حسن، وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي: 3-209 رقم: 2921. (32) الحلية، لأبي نعيم: 1-88. (33) الحلية، لأبي نعيم: 1-231. (34) مختصر زوائد البزار، لابن حجر: 2-85 رقم: 1469. (35) الحلية، لأبي نعيم: 1-99. (36) الحلية، لأبي نعيم: 1-246. (37) جمع السيوطي الأعمال التي تجري للعبد بعد الموت في قوله (كما في الديباج: 4-328): ثم أضاف: وتعَليـمٌ لـقـــــــرآن كـريـــمٍ فخذه من أحـــــاديثَ بحصــر ِ (38) مسلم: 2-1255 رقم: 1631. (39) المسند، لأحمد: 5-261، المعجم الكبير، للطبراني: 8-205 رقم: 7831، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-212 رقم: 877. (40) انظر: الترغيب والترهيب، للمنذري: 1-97، فيض القدير، للمناوي: 4-84. (41) سنن ابن ماجه: 1-88 رقم: 242، وذكر في الزوائد تحسين ابن المنذر له، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-443 رقم: 2231. (42) أي حفره وأخرج طينه. انظر: لسان العرب: 5-3867. (43) كشف الأستار، للهيثمي: 1-149، جامع المسانيد والسنن، لابن كثير: 23 -199 رقم: 2659، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-674 رقم: 3602. (44) انظر: معالم التنزيل، للبغوي: 7-9، تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: 6-565.. (45) في ظلال القرآن، لسيد قطب: 5-2960 . (46) إرشاد العقل السليم، لأبي السعود: 7-161. (47) انظر: فيض القدير، للمناوي: 2-16. (48) اختلف الناس في جواز إهداء ثواب القُرَب إلى الميت، على أقوال: فمنع المعتزلة من ذلك مطلقاً، وأجاز قوم ذلك مطلقاً، وفصل آخرون فأجازوا ذلك في بعض الأعمال دون بعض على خلاف، والراجح: جواز إهداء ثواب الطاعات التي دلت النصوص الصحيحة على وصول ثوابها إلى الميت كالصدقة عنه والدعاء له والحج عنه، أما ما لم يثبت فيه دليل صحيح فهو باق على المنع؛ لأن الأصل في العبادات التوقف. انظر: المغني، لابن قدامة: 3-519 ـ 523 ، نيل الأوطار، للشوكاني: 4-142 ـ 143 ، فتاوى اللجنة الدائمة: 9-43. (49) انظر حكاية الإجماع في: شرح مسلم للنووي: 7-125، المغني، لابن قدامة: 3-519، شرح الموطأ، للزرقاني: 4-72. (50) أي: ماتت فجأة، وانظر: فتح الباري: 3-300. (51) صحيح البخاري، فتح: 3-299 رقم: 1388، مسلم: 1-696 رقم: 1004. (52) المسند، لأحمد: 14-436 رقم: 8841، مسلم: 2-1254 رقم: 1630. (53) المخراف: البستان والمكان المثمر، انظر: فتح الباري: 5-454. (54) المسند، لأحمد: 5-201 رقم: 3080، البخاري، فتح: 5-453 رقم: 2759. (55) المسند، لأحمد: 11-307 رقم: 6704، السنن الكبرى، للبيهقي: 6-279 وحسن إسناده الأرناؤوط. (56) نيل الأوطار، للشوكاني: 4-141. (57) كما ذهب إلى ذلك جماعة من أهل العلم منهم: الشوكاني في نيل الأوطار: 4-142، وانظر: الفتح: 5-390. (58) أي: استحق النار بالقتل إن لم يتغمده الله برحمة منه. انظر: سنن أبي داود: 4-271 رقم: 3964. (59) المستدرك، للحاكم: 2-212، صحيح ابن حبان: 10-145 رقم: 4307، وقال الأرناؤوط: (إسناده صحيح). (60) المصنف، لعبد الرزاق: 9-60 رقم: 16342. (61) السنن الكبرى للبيهقي: 6-279 وقال: (تلاداً من تلاده، يعني: مماليك قدماء، والتلاد كل مال قَدُم). (62) انظر: روضة العقلاء، لابن حبان: 193، الصدقات، للضبيعي : 12. (63) روضة العقلاء، لابن حبان: 197. (64) تيسير الكريم الرحمن، للسعدي: 72. (65) رواه عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد عن الحسن مرسلاً كما في كشف الخفاء، للعجلوني: 1-54 رقم: 128، وهو حسن لغيره، انظر: صحيح الجامع، للألباني: 1-96 رقم: 172. (66) قضاء الحوائج، لابن أبي الدنيا: 40 رقم: 36، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-97 رقم: 176. (67) المستدرك، للحاكم: 1-416 وقال: (صحيح على شرطهما)، صحيح ابن خزيمة: 4-104 رقم: 2456، صحيح ابن حبان: 136-8 رقم : 3349 وصححه الأرناؤوط. (68) المسند، لأحمد: 11-33 رقم: 6494 وقال المحقق: (صحيح لغيره)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 1-661 رقم: 3522. (69) البخاري ، فتح: 13-370 رقم: 7376، مسلم: 2-1809 رقم: 2319 واللفظ له. (70) المعجم الصغير، للطبراني: 2-205 رقم: 1033، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-702 رقم: 3759. (71) مسلم: 3-2276 رقم: 2964. (72) هما عظما الحنك اللذان عليهما الأسنان. انظر: تاج العروس للزبيدي: 20-145. (73) المسند، لأحمد: 5-350، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد: 3-109(رجاله ثقات)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: 2-1012 رقم: 5814. (74) فيض القدير، للمناوي: 5-504. (75) زاد المعاد، لابن القيم: 2-25 ـ 26. (76) الشرح الممتع، لابن عثيمين: 6 - 10 ـ 11. (77) انظر: زاد المعاد، لابن القيم: 2-26. (78) البخاري، فتح: 6 - 116 رقم: 2917 واللفظ له، مسلم: 1-708 رقم: 1021. (79) أعلام الحديث، للخطابي: 1- 769 ـ 770 وانظر: فتح الباري، لابن حجر:3-359 ـ 360 ، فيض القدير، للمناوي: 5-506. (80) قضاء الحوائج، لابن أبي الدنيا: 40 رقم: 36، وحسنه الألباني في صحيح الجامع: 1-97 رقم: 176. (81) المسند، لأحمد: 6-79، وحسنه المنذري والألباني. انظر: صحيح الترغيب والترهيب: 1-362. (82) روضة العقلاء، لابن حبان: 194. (83) انظر: الشرح الممتع، لابن عثيمين:6-11 ـ 12 ، الصدقات، للضبيعي: 14. (84) جزء من حديث ضعيف رواه البيهقي في الشعب: 6-267 رقم: 6612، انظر: ضعيف الجامع، للألباني: 605 رقم: 4148. (85) مسلم: 3-1996 رقم: 2578. (86) تفسير النسائي: 2-409 رقم: 603، وصححه المحقق. (87) فيض القدير، للمناوي: 1-135. (88) انظر: البخاري، فتح: 5-74 رقم: 2327.
| ||||||||||||||||||||||||||||||||||||
العلامات المرجعية |
يشاهد الموضوع حالياً: 1 (0 عضو و 1 ضيف) | |
| |
المواضيع المتشابهة | ||||
الموضوع | كاتب الموضوع | المنتدى | مشاركات | المشاركة الأخيرة |
الحجر الأسود تاريخ وأحكام | بسمة بني هاشم | علم - ثقافة - تطوير ذات | 1 | 02-02-2009 01:40 PM |
لماذا خلق الله الشر | قفل الفتنة | الإسلامي العام | 1 | 10-25-2007 01:46 AM |
طلحه بن عبيدالله(طلحه الخير) | ام سلمه الهاشمي | قريش | 3 | 03-26-2007 02:36 AM |
الروابط لمن أراد نشر الخير والدعوة إلى الله | صريح للغاية | الإسلامي العام | 2 | 10-23-2006 02:17 AM |
روابط لنشر الخير والدعوة إلى الله | الهاشمية القرشية | الإسلامي العام | 0 | 06-04-2006 01:55 PM |